| ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابن الكوفة المديــــر العـــــام | موضوع: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الأحد يونيو 03, 2007 1:20 pm | |
| مدينة النجف.. قراءة أخرى
أسماء النجف لمدينة النجف ثلاثة أسماء: النجف، الغَريّ، المشهد. والاسم الغالب هو النجف، أما الغَريّ فقد عُرف قديماً، وهو غير متداول اليوم، وأما المشهد فأكثر ما يُعرف في العراق.
النجف المدينة ( النجف ) تعني شيئين اثنين، تعني مدينة كاملة، وتعني في نفس الوقت معهداً جامعياً. ولتداخل المدينة في المعهد والمعهد في المدينة صارت الكلمة تدل عليهما كليهما معاً. ومن هنا صار لزاماً على الدارسين أن لا يفصلوا أحدهما عن الآخر وأن يتحدثوا عن الأول حين يتحدثون عن الثاني، لترابط حياتيهما ترابطاً تاماً وانسجامهما انسجاماً كاملاً.
موقع النجف تقع مدينة النجف على حافة الهضبة الغربية من العراق، وتبعد عن فرات الكوفة ما يقرب من عشرة كيلومترات من غربيّ الكوفة في مرتفع يُطلّ من الشمال والشرق على منبسط فسيح تغمره القِباب والشواهد في مقبرة لا تُدرك العينُ مدى اتساعها، ويطلّ من الغرب والجنوب على وادٍ رحب ربما كان فيما غَبرَ من أزمان التاريخ الأبعد بُحيرة جَفّت ونَضَبت. ولارتفاع النجف وأطلالها على الرحاب والسهول كانت أيام الساسانين والمناذرة والعباسيين مُنتَزهاً يقصدونه في الربيع. ويشير إلى بعض ذلك المسعودي في « مُروج الذهب » وهو يتحدث عن الحيرة قائلاً: وكانت قصور العباسيين مشرفة على النجف، يتنزّهون بها أيّام الربيع. وللشعراء الكثير من الشعر في النجف غير البعيدة عن الماء والخضراء في الكوفة، من ذلك قول محمد الحِمّاني:
فيا أسَفَي على النجفِ المُعرّى
وأوديـةٍ مُـنـوَّرةِ الأقاحي
وما بسط الخِوَرْنَق مِن رياضٍ
مـفـجّرةٍ بـأفـنـيةٍ فِساح
ووا أسَفاً على القنّاص تغـدو
خرائطُها على مجرى الوشاحِ
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
ما إن رأى الناسُ في سهل ولا جبلٍ
أصفى هواءً ولا أعذى من النجفِ
كـأنّ تُـربَتَهُ مِـسكٌ يَـفـوحُ بـهِ
أو عنبرٌ دافَـهُ العطارُ في صَدَفِ
حُـفَّـت بـبَـرٍّ وبحرٍ مِن جوانبِها
فالبَرُّ في طَرَفٍ والبحرُ في طَرَفِ
وبـيـن ذاك بـسـاتـينٌ يَسيحُ بها
نهرٌ يَسيلُ بـجـاري سيلهِ القَصِفِ
ومـا يـزالُ نـسـيمٌ مِـن أيامِنِهِ
يأتيكَ مـنـهـا بِرَيّا روضةٍ أُنُفِ
تَلقـاكَ منـه قُبَيلَ الصـبحِ رائحةٌ
تَشفي السقيمَ إذا أشفى علَى التَّلَفِ
لـو حَلَّهُ مُدنَفٌ يرجـو الشفاءَ بهِ
إذاً شَـفـاهُ مـن الأسقامِ والدَّنَفِ
والصَّيدُ منه قريبٌ إن هَـممتَ بهِ
يـأتـيك مُؤتَلِفاً فـي زِيِّ مُختلِفِ
عدد نفوس النجف يبلغ عدد نفوس النجف حسب إحصاء سنة 1977 (000/189).
كيف تكونت النجف إذا صَحّ أن تكون النجف متنزهاً أيام الربيع فلم يكن ليصحّ أن تكون مدينة، ولو أن الخِيارَ كان بيدِ مَن اختاروها مدينةً لمَا اختاروها أبداً، فليس من المعقول أن يختار الحَصيفُ مدينةً على مرتفعٍ عاطشٍ لا نبع يسقيه ولا عين ترويه، ولا وسيلة يومذاك، لتصعد بالماء إليه من الوِهادِ والسهول. ولكن النجف فَرَضَت نفسَها مدينةً فرضاً، فقد شاء لها القدر أن يُحمَل إليها في ليلة من الليالي جثمان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فيدفن فيها سرّاً ويُعمّى القبر إلاّ عن الأبناء والأحباب. وللإمعان في السريّة اختيرت بقعة منعزلة في مرتفع من مرتفعات ظهر الكوفة الذي كان يُعرف بالنجف، ودفن فيها الجثمان الطاهر في بقعة وسط منها بين رَبَوات ثلاث فيها. وظَلّ القبر على سرّيته حتّى حان الحين الذي لا محذور فيه من الجَهر والكشف، وذلك في العام 170 من الهجرة أيّام الرشيد الذي كان أول من شاد البناء في النجف حين أمر بإظهار قبر عليّ عليه السّلام وتعميره(1). وربما استُنتج من بعض ما أورده الطبري في تاريخه والإصفهاني في « مقاتل الطالبيين » أنّه كان في النجف أيّام المنصور قرية عامرة، لا في مكان القبر ولكن في مكان ما من رقعة النجف الرحبة. وإذا صح هذا الاستنتاج فربما كان دليلاً على أن الزائرين القليلين العارفين بحقيقة القبر كانوا السبب في بناء تلك القرية، وأنّها إنما بُنيت لهم ولأمثالهم من الوافدين ليجدوا فيها المأوى والمأكل والمشرب في صحراء لا مأوى فيها ولا مأكل ولا مشرب.
تطوّر النجف إذن السنة 170 للهجرة هي مولد النجف الأول مكاناً فيه بناء وفيه ناس ظاهرون، ولم يَكَد هذا المولد يُعِلن عن نفسه حتّى كانت النجف تستقبل يوماً بعد يوم أفواجاً من الناس تلتقي على غير موعد حول القبر الذي شُغِفت بنزيله. والذين طالما أمَضّهم الخوف على أنفسهم من زيارة قبر أمير المؤمنين عليّ عادوا اليوم يزحفون بالمئات إلى ذلك القبر بعد أن أمنوا على أنفسهم وزال ما كانوا يحذرون. والذين طالما ودّوا لو جاوروا القبر الحبيب وجدوا اليوم بُغيَتَهُم فجاوروه مغتبطين. وتتالى البناء وتتابع العمران ولم يجئ القرن الرابع الهجري حتّى كانت النجف قد أصبحت مدينة عامرة. وفي القرنين السابع والثامن الهجريّين ـ أي في نحو القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديّين ـ كانت النجف قد غدت مدينة من أمّهات مدن العراق، وكانت المدارس والمساجد والمعاهد أبرز ما فيها. ولعل من المفيد أن نشير إلى ما وصفها به الرحالة ابن بطوطة حين زارها في أواسط القرن الرابع الهجري فقال عنها: « ثمّ رَحَلنا ونزلنا مشهد عليّ بن أبي طالب بالنجف، وهي مدينة حَسَنة نظيفة دخلناها من باب الحضرة، فاستَقبَلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين ثمّ سوق الفاكهة ثمّ سوق الخياطين والقيسارية ثمّ سوق العطارين، ثمّ باب الحضرة ».
النجف الجامعة إذا كانت المدينة قد بدأت بهذا التدرج، فإن النجف الجامعة قد بدأت متأخرة عن هذا بما لا يقلّ عن ثلاثة قرون. ففي العام ( 448 هـ ) أي في نحو النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي نزح إليها من بغداد كبيرُ علماء الشيعة في ذلك العهد الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي إثر فتنة طائفية أثارها السلجوقيون في مفتتح حكمهم في العراق، وكان من آثارها الهجوم على دار الشيخ الطوسي ونهب كتبه وإحراق كرسيّه الذي كان يجلس عليه للتدريس، وإحراق مكتبات أخرى أهمها المكتبة الكبرى التي أُنشئت في عهد البويهيين والتي قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان: « لم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها »، مما رأى الشيخ معه أن لم مُقام له في بغداد بعد هذا. فارتحل إلى النجف، فكان ذلك بداية عهد جديد في حياة هذه المدينة التي أخذت منذ ذلك العهد تتحول من مدينة ومزار إلى جامعة كبرى.
قبل الطوسي ويبدو أنّه كان للنجف قبل الطوسيّ شأن علمي، وكان يقصدها الناس للدراسة على علمائها المجاورين فيها، فمنذ أوائل القرن الثالث للهجرة نرى أسماء علمية بارزة تُنسب إلى النجف، مثل: شرف الدين بن علي النجفي، وأحمد بن عبدالله الغَرويّ، وابن شهريار.. كما أن هناك إجازات علمية تحمل اسم النجف. ثمّ نرى أن المؤرخين يذكرون أن عضد الدولة البُوَيهي حين زيارته للنجف سنة 371 هـ وزّع أموالاً على الفقهاء والفقراء، ومعنى هذا أنّه كان فيها جمهور من الفقهاء خَفِيَت عنّا أخبارهم وضاعت فيما ضاع من أخبار النجف الكثيرة، ومعنى هذا أيضاً أنّه كان قبلهم فيها فقهاء وظل بعدهم فيها فقهاء. ولكي يشير المؤرخون إلى وجود الفقهاء فيها حين زيارة عضد الدولة لابد من أن يكون هؤلاء الفقهاء حصيلة دراسات متصلة من عهدٍ لا نستطيع تحديده تحديداً دقيقاً لقلة ما بأيدينا من المصادر. على أنه من البديهي أن تكون النجف بعد ابتداء شأنها كمدينة، قد ابتدأت في نفس الوقت تَرِث الكوفة علمياً ودراسياً، فكونُها ضاحيةً من ضواحي الكوفة، وكونها أضحت مهوى قلوب المؤمنين وموضع هجرتهم، وكونُ الكوفة صاحبة ذاك الشأن العلمي الرفيع.. كل ذلك أهّل النجفَ لوراثة تدريجية انتهت أخيراً إلى ذَوَبان الكوفة في النجف ذوباناً تاماً. لذلك كان من الطبيعي أن يكون للنجف شأن علمي دراسي قبل رحيل الشيخ الطوسي إليها. ولكن الشأن تبلور بوصول الشيخ وتطور إلى تنظيم جعل منها مقصد الطالبين من كل مكان. ولا يفوتنا أن الشيخ لم يهاجر إليها وحده، فمن المعلوم أنّه كان له في بغداد حلقة تتلقى العلم عليه، تتلوها حلقات تتلقى العلم على تلاميذه. ومن المؤكد أن جُلّ هؤلاء ـ إن لم يكونوا كلهم ـ قد انتقلوا بانتقال الشيخ ونظّموا أمر الدرس تنظيماً دقيقاً دخلت فيه النجف في طور جديد من أهمّ أطوارها.
بعد الطوسي ويستمر ذلك حتّى القرن السابع الهجري، وإذا بمدينة الحلة تغدو هي البديل من النجف، وإذا بها مقرّ كبار علماء الشيعة ومقرّ تدريسهم. على أن النجف ظلت محتفظة بطابعها العلمي، وظل فيها من العلماء والفقهاء من يملأون فيها فراغاً لابد من إملائه. ويبدو من الغرابة بمكان أن يتحول التدريس من النجف إلى الحلة، وأن يستبدل العلماء المقام في الحلة بالمقام في النجف. ويتراءى أن التعليل الصحيح لذلك هو جفاف الحياة في النجف وقسوة العيش فيها، لا ماء ولا شجر، بل حَرور متصل معظم الشهور لا يلطفه ظل ولا يخففه نسيم، أما الماء فأعز شيء فيها ولابد من نقله من مسافات بعيدة في قِرَب السقّائين، وماذا تغني تلك القِرَب وماذا تسد من حاجة!! ولقد تحايَلَ الناسُ للتخلص من هذه الحياة العنيفة، فاتخذوا أسطحة المنازل مناماً لهم طيلة شهور الحر، وحفروا في الأرض سراديبَ عميقة قد يصل بعضها إلى سبعين درجة تحت الأرض، وقد يكون بعضها أكثر من طابق واحد، لتكون لهم مُقاماً في النهار حين تغلي الأرض بحرارة الشمس. والذين وُلِدوا وعاشوا في النجف لابد لهم من الرضى بذلك، ولكن هناك ألوف الطلاب الوافدين إليها من الظلال الوارفة والمياه الرويّة والنسائم البَليلة من إيران وجبل عامل وأفغانستان أو غيرها من البلاد التي قد تُشاطر النجف حرها أو تزيد عليه ولكنها لا تشاطرها القُحولةَ ونُضوبَ الماء كالهند والسند والبحرين ومدن الخليج الأخرى. ويبدو أنّه من هنا انطلقت فكرة نقل التدريس إلى مدينة الحلّة التي يشقّها نهر الفرات وتحيط بها الحدائق والبساتين. وما دامت النجف قريبة فإن القلوب الظامئة لزيارة قبر الإمام عليه السّلام تستطيع وهي في الحلة أن تتجه إليه وتستطيع أن تنتقل بأجسادها بين شهر وشهر للاستمتاع بجواره. ولكن الأمر ما لبث أن عاد إلى أصله وعادت النجف دار العلم والتدريس. على أن الحال لم تستقر بها استقراراً تاماً بل ظلت بين مدّ وجَزْر.. إلى أن جاء عهد وَرِثَت فيه مدينةُ كربلاء كلا المدينتين: النجف والحلة. ويبدو أن السرّ في ذلك هو أن كربلاء تجمع إليها ما في المدينتين؛ ففيها ضريح البطل الشهيد الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وفيها الظلال والماء. وظلت كربلاء معهد الشيعة الأكبر حتّى مطلع القرن الثالث عشر الهجري. وبانتقال السيّد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم من كربلاء إلى النجف استقرّ الأمر في النجف استقراراً كاملاً، كان من أكبر دعائمه شخصية السيّد مهدي نفسه، بما تحلّت به من سجايا وفضائل جَعَلت منه عالِماً فذّاً بين العلماء القادة. ثمّ أعقبه تلميذه الشيخ جعفر، فزاد الأمرُ إحكاماً، وعادت النجف مدرسة الشيعة الكبرى ومعهدهم الأول ودار هجرتهم العلمية حتّى اليوم. يقول الشَّبيبي: ما زالت النجف من أكبر عواصم العلم للشيعة وهي أكبرها منذ نحو قرنَين، وما انفكّت من أول ما خُطِّطت مأوى كثير من فقهاء الشيعة، ومتصوفيهم وزهّادهم، وما عبر عليها عصر خَلَت فيه من عالم أو أديب، غير أن لها عصوراً معروفة حَجَّ إليها الناس فيها من أجل التعلم والتفقه، ورأَسَ على رأسِ كل عصر منها إمامٌ واحد أو أكثر من مشاهير أئمّة الشيعة ومخرّجيهم، أقدمها عصر أبي جعفر الطوسي على أثر هجرته إلى النجف وإقرائه فيها الناسَ وشدهم الرحال إليه في منتصف القرن الخامس.. ثمّ عصر أبي عليّ الطوسي ابن أبي جعفر وقد خلف أباه ثمّةَ في الإقراء وعاصره جماعة من أصحاب أبيه.. ثمّ عصر عماد الدين الطبري النجفي تلميذ أبي عليّ الطوسي في منتصف القرن السادس. وفي هذا العصر زاحمت الحلةُ السيفيةُ النجفَ من الجهة العلمية، وصارت إليها رحلة الشيعة نحو ثلاثة قرون، ففتر الناس عن الرحلة إلى النجف من تلك الجهة مدة طويلة، أي من منتصف القرن السادس حيث عصر ابن إدريس وسديد الدين الحِمْصي في الحِلّة إلى منتصف القرن التاسع حيث عصر ابن فهد الحلي فيها وهو آخر عصورها المشرقة، فكان الشأن الأكبر للحلة في خلال ذلك. على أن النجف ظهر فيها طوال هذه الفترة طائفة من العلماء المشاهير، سواء كانوا ممن أخرجتهم المدينة أو ممن جاوروا فيها حتّى جاز أن نطلق عليها ( علماء الفترة في النجف ). ثمّ لمّا هَرمَت الحلة وانقضى عهدها العلمي عادت النجف فاستقلّت مرة أخرى بالعلم والرحلة إليه، واتصلت أو كادت حلقاتُ عصورها العلمية من أول القرن العاشر ـ أي منذ سنة 900 تقريباً إلى الآن ـ فكان أولها عصر الشيخ علي بن عبدالعال الكَرَكي المحقق المشهور ومعاصره الشيخ إبراهيم القَطيفي.. ثمّ عصر الشيخ الأردبيلي الزاهد وصاحبه الملاّ عبدالله اليزدي.. ثمّ عصر الشيخ عبدالنبيّ الجزائري.. ثمّ عصر الشيخ حسام الدين النجفي، فعصر الشيخ فخر الدين الطريحي.. ثمّ عصر أبي الحسن الشريف ومعاصريه، فعصر الفُتوني، فعصر الطباطبائي، فعصر الشيخ جعفر الكبير، فعصر ابن الشيخ، فعصر صاحب الجواهر، فعصر الشيخ مرتضى الأنصاري، فعصر تلامذة الأنصاري وغيرهم.. فهذه حلقات هذه السلسلة من العصور الآخِذِ بعضُها بأطرافِ بعض. وقد تكونت في أثنائها أشهر الأُسَر المعروفة بالعلم والأدب، كآل الخمائسي وآل الطريحي وآل الجزائري وآل محيي الدين وآل البلاغي وآل الطباطبائي وآل الشيخ جعفر وآل النحوي وآل الأعسم وآل الجواهر وآل القزويني وآل قَفطان وآل الشيخ راضي، وسواهم من البيوتات المعروفة والمندرسة.
التدريس في النجف اصطُلح في النجف على تقسيم الدراسات إلى ثلاث مراحل: المقدّمات والسُّطوح والخارج. وهذا اصطلاح في التسمية لا أحسب أنه معروف في غير النجف، وها نحن نوضح هذه المراحل فيما يلي:
1 ـ المقدِّمات: ويريدون بها دراسة النحو والصَّرف وعلوم البلاغة والمنطق. وكأنهم أرادوا أن دراسة هذه العلوم هي مقدِّمة للدخول فيما يقصدون إليه من التخصص في الفقه وأصوله. ولا يزال يُتَّبع في تدريس هذه العلوم الكتب القديمة المعروفة، مثل: شرح قَطر النَّدى لابن هشام وشرح ألفيّة ابن مالك ومُغني اللبيب في النحو والشمسية وغيرها في المنطق. فالنجف في هذه الكتب تشارك الأزهر الذي لا يزال يعوّل عليها في تدريس النحو. وربما اختلفت الجامعتان في الشارح، ففي النجف يختارون في ألفيّة ابن مالك شرح ابن الناظم وربما اختاروا في الأزهر غيره من الشروح. ولابد من القول إن هذه المرحلة الدراسية تقوم على أساس فردي، بمعنى أن طالباً واحداً ـ أو أكثر من واحد بحيث قلّما زاد العدد على سبعة وتندر زيادته على عشرة وأكثر ندرة زيادته على عشرين ـ أن طالباً واحداً أو أكثر يختارون مدرِّساً من بين مَن هُم أعلى دراسةً منهم، فيتلقّون عليه دراسة واحد من هذه العلوم جالسين على الأرض بين يدَي الأستاذ، وأقل ما تستغرقه مدة الدرس نصف ساعة وأكثر ما تستغرقه ساعة واحدة. وللطالب حرية المناقشة والأخذ والرد بقدر ما تسمح مواهبه وتحصيله. والعلوم التي عددناها آنفاً هي إلزاميّة في هذه المرحلة، والمُلزِم هو التلميذ نفسه، وقد يضاف إليها علوم أخرى كالعلوم الرياضية والعَروض والبديع والنصوص الأدبية. وهذا يقرّره الطالب نفسه.
2 ـ السطوح: ويراد بها دراسة مُتون الكتب في الفقه الاستدلالي وأصول الفقه. ويمكن القول إن التدريس في هذه المرحلة يقوم هو أيضاً على أساس فردي، والتلميذ أو التلاميذ هم الذين يختارون الأستاذ كما في المرحلة الأولى. وهنا تختلف الكتب في النجف عنها في الأزهر. فكتب النجف التي تُدَرّس في هذه المرحلة كتب خاصة بها، وأهمها: معالم الأصول وقوانين الأصول ورسائل الشيخ الأنصاري وكفاية الأصول. هذا في أصول الفقه. أما في الفقه الاستدلالي فأشهرها: شرح اللُّمعة ثمّ كتاب المسالك ورياض العلماء ثمّ المكاسب. ودراسة الفقه الاستدلالي وأصول الفقه إلزامية في هذه المرحلة، ولكن يرى بعض الطلاب دراسة علم الكلام والحديث والفلسفة والتفسير أيضاً. على أنّه إذا لم تكن دراسة التفسير إلزامية فلأنّ معظم الآيات ستمر خلال الدراسة، ولابد في هذه الحالة من تفسيرها وشرحها. وكذلك القول في الحديث فهو والتفسير يرافقان الطالب في مراحل دراسته كلها، فيدرك أنواع الحديث وأقسامه واصطلاحاته والجرح والتعديل وما إلى ذلك. هاتان المرحلتان هما اللتان تُكوِّنان الطالب وتُعِدّانه ليكون ( مجتهداً ). وقد يستغرق اجتياز الطالب لهما العشر السنين أو أكثر من ذلك. وهما أشقّ مراحل دراسته، وطالما تساقط الطلاب فيهما فتوقّفوا، ومضى البارعون المُجِدّون منهم، وهكذا لا يصل إلى مرحلة ( الخارج ) في الأغلب إلا القلة المتفوقة الصابرة.
3 ـ بحث الخارج: هذه المرحلة بعكس المرحلتين السابقتين لا تكون إلاّ جماعية، وذلك أن عدداً كبيراً من الطلاب الذين أنهَوا دراسة المرحلتين السابقتين يلتقون حول واحد من كبار المجتهدين فيحاضِرهم ارتجالاً في الأصول أو في الفقه، فيعرض عليهم المسألة شارحاً لها شرحاً مستفيضاً يُبرز فيه جميع الآراء الإسلاميّة ومذاهبها، ثمّ يناقش تلك الآراء مناقشة دقيقة كما يناقش أدلتها، ثمّ يُدلي هو برأيه في المسألة عارضاً دليله على ما ارتآه. وإذا كنّا قد قلنا إن طلاب هذه الدروس هم ممن أنهَوا المرحلتين الأوليتين، أي ممن أصبحوا على أبواب الاجتهاد، فربما كان طلابها أيضاً من المجتهدين أنفسهم إذا كان الأستاذ من الأعلام المتفوقين الذين يستفيد من دروسهم حتّى المجتهدون، كما حدث في دروس أستاذ الأساتيذ الشيخ محمد كاظم الخراساني الذي كان يلتقي في حلقة تدريسه فريق من المجتهدين يستمعون إليه ويأخذون عنه ( توفي سنة 1329 هـ ). وما قلناه عن المرحلتين السابقتين نقوله هنا عن هذه المرحلة من أن اختيار الأستاذ يعود للطالب نفسه، لذلك نرى أن ازدحام الطلاب وتجمهرهم يتبع شهرة المدرّس في طريقة تدريسه وعمق أفكاره وسعة علمه. وإذا كنا قد عَدَدنا الكتب المقرّرة في المرحلتين السابقتين فإننا لا نعدد هنا كتباً، إذ أن التدريس هنا لا يعتمد على كتاب خاص ما عدا ما يمكن أن يُعين الطلاب على المراجعة. ومما تمتاز به هذه المرحلة هو إطلاق حرية المناقشة للطلاب على أوسع الأبواب، فترى الطلاب يناقشون الآراء والنظريات مع الأستاذ مناقشة النِّد للنّد فيتعودون الثقة بأنفسهم والاعتماد على آرائهم، لأنهم سيكونون في المستقبل مرجعاً للناس. والذي يُصغي للمناقشات في تلك الدروس يعلم أنّها فريدة في أسلوب التدريس العلمي، بما فيها من حرية وعمق ودقة، وبما تنطوي عليه من توجيه رائع وسعة آفاق وتشجيع، مما لا أحسب أن له نظيراً في أي تدريس جامعي آخر. ولابد أن تكون كذلك لأنّها تعد الرجال لينالوا أضخم إجازة علمية هي إجازة ( الاجتهاد )، فليس يسيراً أن يصبح العالم مجتهداً. أين تُعقد الدروس ؟ ربما تبادر للذهن أن هناك قاعات للدرس وكليات للمحاضرات، مع أنه لا شيء من ذلك في النجف؛ فمكان الدرس غير محدد، فربما كان في بيت الأستاذ نفسه. على أنّه كثيراً ما يكون في المساجد الرحبة البعيدة عن الضجيج، فيجلس الطلاب على الأرض متحلقين حول الأستاذ، فإذا كثر عددهم اتسعت صفوفهم غير نظيمة واضطر الأستاذ لأن يجلس على المنبر ليُسمِع صوتَه إلى أقصى الحضور. ولعل التجديد الوحيد الذي دخل على هذا التدريس هو أن الأساتذة صاروا يستعملون مكبرات الصوت ليوصلوا أصواتهم إلى أبعد طالب بلا جهد ولا عناء.
عدل سابقا من قبل في الأحد يونيو 03, 2007 1:26 pm عدل 2 مرات | |
|
| |
ابن الكوفة المديــــر العـــــام | موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الأحد يونيو 03, 2007 1:22 pm | |
| مدارس النجف وإذا كان مكان التدريس كما ذكرنا.. فما شأن هذه الدور العديدة التي تحمل اسم المدارس في النجف ؟ أجل، إن في النجف بضع عشرة مدرسة تحمل أسماء مختلفة أكثرها يشير إلى اسم مُشيّدها. ولكن هذه المدارس ليست في الأصل للتدريس بل هي بمثابة (الأقسام الداخلية) في المدارس الحديثة، مُعدّة لسكن الطلاب الغرباء عن النجف، يسكنونها بلا عِوَض. وقد يُتّخَذ بعضها مكاناً لتدريس بعض الدروس.
عدل سابقا من قبل في الأحد يونيو 03, 2007 1:27 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
ابن الكوفة المديــــر العـــــام | موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الأحد يونيو 03, 2007 1:27 pm | |
| التدريس في النجف في هذا العصر الحوزة العلمية تعني مركز التعليم الديني ذا الطريقة القديمة، الذي يعتمد الحلقةَ في شكل حضور الطلاب للدرس، وشرح العبارة في أسلوب تعليم الأستاذ لمادة الدرس. يرجع تاريخ نشوء هذه الحوزة العلمية في النجف إلى القرن الرابع الهجري، يوم عاش الشيعة وجودَهم العلمي المميّز والبارز في عهد حكم آل بُوَيه (334 هـ ـ 447 هـ) الذي امتد لمدة 113 عاماً. وتوسّع تمركزهم في مدينة النجف الأشرف لمجاورة مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، والاستمداد من بركة روحانيته، والاستظلال بقدسية هذا البطل العلمي العظيم. وبَرزت في وجودها تستقطب الطلاب من مختلف أنحاء العالم الشيعي، وتُوزِّع خرّيجيها على جميع بلدان الشيعة في القرن الخامس الهجري يوم تزعّمها شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( ت 460 هـ )، فقد ذُكِر تاريخياً أن هذا الشيخ العظيم خرَّج من تحت كرسيّ درسه أكثر من ثلاثمائة مجتهد. واستمرت من بعده بين مدّ وجزر، وانطلاق وجمود، حتّى الحقبة ما بين 1368 هـ و 1390 هـ، حيث بلغت فيها أعلى مستويات عصرها الذهبي ـ كما سنتبين هذا فيما بعد ـ. والوضع الدراسي الذي كانت عليه الحوزة العلمية النجفية في هذه الحقبة من الزمن كالتالي:
المراحل الدراسية كانت المراحل الدراسية في هذه الحوزة ثلاثاً، هي:
1 ـ مرحلة المقدمات: وتُدرَّس فيها العلوم التي تعتبر مقدمة للتخصص في الفقه وهي: ـ علوم اللغة العربية. ـ علم الصرف. والكتب المقررة فيه: مراح الأرواح، شرح النظّام على شافية ابن الحاجب. ـ علم النحو. والكتب المقررة فيه: الأُجروميّة، شرح قَطر النَّدى، شرح ألفيّة ابن مالك لابن الناظم أو ابن عقيل أو السيوطي، مُغني اللبيب لابن هشام الأنصاري. ـ علوم البلاغة. والكتب المقررة فيها: مختصر المعاني، المطوَّل، وكلاهما للتَّفتازاني. ـ العلوم العقلية. ـ علوم المنطق. والكتب المقررة فيه: حاشية ملاّ عبدالله على التهذيب، شرح الشمسية للقزويني. ـ علم الكلام. والكتب المقررة فيه: شرح (@الباب@) الحادي عشر للمقداد السيوري، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلاّمة الحلّي. ـ الفلسفة الإلهية. والكتب المقررة فيها: شرح منظومة السَّبزواري في المنطق والحكمة، كتاب الحكمة المتعالية المعروف بالأسفار لملاّ صدرا.
2 ـ مرحلة السطوح: ـ علم أصول الفقه. يُدرَّس هذا العلم في هذه المرحلة بمستوىً بين العرض والاستدلال بما يمهد للانتقال للمرحلة الثالثة. والكتب المتعارف دراستها فيه هي: المعالم للعاملي، القوانين للقمّي، الكفاية للآخوند، الرسائل للأنصاري. ـ علم الفقه. ويُدرّس هذا العلم أيضاً بمستوى البَينَ بَين وللهدف نفسه. والكتب التي تُدرّس فيه، هي: (@الروضة@) البهية في شرح اللُّمعة الدمشقية للشهيدَين، المكاسب للأنصاري.
3 ـ مرحلة البحث الخارج: وسُمّي بذلك لأن الدراسة فيه تعتمد طريقة المحاضرة، أي أن الدرس فيها يكون خارج الكتاب. ويُدرَّس في هذه المرحلة أيضاً أصول الفقه، والفقه، ولكن بمستوى الاستدلال. وأشهر أساتذة البحث الخارج في علم أصول الفقه في هذه الحقبة، العلماء التالية أسماؤهم: الشيخ حسين الحِلّي، السيد محمود الشاهرودي، السيد عبدالأعلى السَّبزواري، الميرزا حسن البُجْنُوردي، السيد أبو القاسم الخوئي، الميرزا باقر الزَّنجاني، الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي، الشيخ محمد تقي آل الشيخ راضي، الميرزا هاشم الآمُلي، السيد علي الثاني، الشيخ محمد رضا المظفَّر، السيد يوسف الحكيم، السيد محمد الروحاني، السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد تقي الحكيم، السيد نصر الله المستنبط. وأشهر أساتذة البحث الخارج في علم الفقه العلماء التالية أسماؤهم: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، الشيخ محمد رضا آل ياسين، السيد محسن الحكيم، الشيخ حسين الحلي، السيد محمود الشاهرودي، السيد ميرزا عبدالهادي الشيرازي، الشيخ محمد حسن المظفَّر، السيد محمد جواد التَّبريزي، السيد عبدالله الشيرازي، السيد عبدالأعلى السَّبزواري، السيد محمد البغدادي، السيد آغا الاصطهباناتي، الشيخ مرتضى آل ياسين، السيد أبو القاسم الخوئي، السيد محمد تقي بحر العلوم، السيد حسين الجماعي، السيد علي الفاني، السيد محمد باقر الشخص، الشيخ محمد تقي آل صادق، الشيخ محمد تقي الفقيه، الشيخ محمد تقي آل الشيخ راضي، الشيخ حسن الخاقاني، السيد جمال الگُلبايكاني، الميرزا حسن البُجنوردي، الشيخ عبدالكريم الجزائري، السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد الروحاني، الشيخ محمد تقي الجواهري. طريقة التدريس وكانت طريقة التدريس في هذه الحوزة العلمية تختلف باختلاف المرحلة؛ ففي مرحلتَي المقدمات والسطوح تعتمد على شرح العبارة: يقرأ الأستاذ سطراً أو أسطراً من الكتاب، ثمّ يقوم بالشرح، ويستخلص الطالب الفكرة التي هي موضوع الدرس من خلال الشرح. وكثيراً ما يستطرد الأستاذ خلال شرحه لتوضيح قاعدة أو بيان إشكال، أو ردّ إشكال، بما يرتفع في غالبه إلى محاكمة العبارة، ونقد الفكرة لتوضيحها عن طريق التحليل والتعليل. وفي مرحلة البحث الخارج تعتمد طريقة التدريس على أسلوب المحاضرة، ويبدأ الأستاذ أولاً بتحرير المسألة ( تحديد وبيان الموضوع )، ثمّ عرض الآراء فيها، فاستعراض أدلة الآراء فمناقشتها ومحاكمتها، ثمّ الانتهاء إلى النتيجة المطلوبة، إمّا بتبنّي أحد الآراء أو الإتيان برأي جديد. وفي زمن قُبيل هذه الحقبة كان علم أصول الفقه قد نضج على أيدي أساتذة المدارس الثلاث المتعاصرة، وهي: مدرسة العراقي ومدرسة الأصفهاني ومدرسة النائيني.. التي صَبّت جميعها في محيط أبرز تلامذتها من أساتذة هذه الحقبة الزمنية. وكل ما جدَّ في مجال أصول الفقه هو التعديل في التبويب والتغيير في أسلوب وطريقة العرض. ولعل كتاب السيد السبزواري « تهذيب الأصول » يُعرب عن هذا النضج وبدء طور التغيير للخلوص إلى الخلاصة وطرح الزائد والاقتصار على المفيد. وأما في مجال الفقه فقد نضج في طريقة الاستدلال بعد استقرار المدرسة الأصولية على يد الوحيد البهبهاني، وذلك بتأليف كتاب الرياض للسيد الطباطبائي، وتأليف كتاب الجواهر للشيخ النجفي، وكتاب مفتاح الكرامة للسيد العاملي، ولم يجدّ له جديد في هذه الحقبة إلاّ بمحاولة التغيير في طريقة العرض. ومن أهم السمات التي تميزت بها الدراسة في مرحلة البحث الخارج، هي: الأصالة في الرأي، والعمق في البحث، والشمولية في الاستعراض، والاستقلالية في الخلوص إلى النتيجة.
تمويلها تعتمد الحوزة العلمية في تمويلها ومصروفاتها لرواتب الأساتذة والطلبة وشؤونها الأخرى على ما يُعرَف بالحقوق المالية الشرعية التي يدفعها أتباع المذهب إلى مراجع التقليد.
النقد وشأن التعليم في هذه الحوزة العلمية شأن التعليم في المراكز والمعاهد العلمية الأخرى، فيه الخصائص المميّزة والظواهر المرغوب فيها، وفي الوقت نفسه لا يخلو من ملاحظات توجه إليه، ومآخذ تسجل عليه، منها:
في مرحلتي المقدمات والسطوح: وأهم ما كان يسجل عليهما من مآخذ، هو: 1 ـ الجمود على المواد العلمية الموروثة، وعدم محاولة إضافة مواد أخرى لها دخل مباشر في المساعدة على التخصص في الفقه، أمثال: • أصول علم الحديث. • أصول علم الرجال. • تاريخ الحياة الاجتماعية للمسلمين في عصر التشريع، لما لها من دور فاعل في التالي: ـ الكشف عن القرائن التي كانت تَصحَب نصوص التشريع. ـ إلقاء الضوء لتوضيح موضوعات الأحكام آنذاك بما يساعد على فهم النص الشرعي، والمقارنة بين طبيعة الموضوع آنذاك وما يماثله في عصور ما بعد التشريع. ـ معرفة أساليب التعبير وطريقة البيان آنذاك، ودخالتها في المساعدة على فهم مؤدّى النص من الوضوح بمكان البداهة. • معرفة واقع الحياة الاجتماعية المعاصرة، لأنّها تساعد الفقيه مساعدة كبيرة جداً على فهم طبيعة الحياة ومتطلباتها ومستجداتها التي سيتعامل معها في إصدار الفتاوى وإعطاء الأحكام. • مبادئ العلوم الحديثة من اجتماعية وطبيعية ورياضيات وما إليها. وبخاصة للطالب الذي لم يدرس الدراسة النظامية في مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لما لهذه من المساعدة على فهم الحياة المعاصرة. 2 ـ الجمود على المقررات ( الكتب ) العلمية الموروثة، والدعوة إلى تغييرها، لأنّها لا تحمل بين دفّتيها ما تطور إليه العلم في المنهج والفكر والأسلوب، فلم تعُد تكفي لتلبية حاجة الفقيه في مجال الاستنباط، وليس بمقدورها ملء الساحة العلمية بالمطلوب. بالإضافة إلى أن فيها ما لا علاقة له بمادة العلم المقرر، مثل مادة ( أصول الفقه ) التي لها أهمية في مجال التخصص الفقهي، وذلك باشتمالها على نسبة من القواعد التي لا يحتاج الفقيه إلى استخدامها في مجال الاجتهاد واستخلاص أو استنباط الحكم من دليله ومصدره. 3 ـ الجمود على طريقة شرح العبارة في التدريس، لأنّها بقدر ما لها من محاسن في تفتيح الآفاق الذهنية بواسطة ما يجري فيها من تحليل وتعليل ونقد واختيار، ومن ثَمّ تنمية الموهبة الفكرية، وإثراء المعلومات، عليها من المآخذ كضياع أو بعثرة الفكرة موضوع الدرس في هذا الوسط من المعلومات المختلفة التي أفرزتها محاولة شرح العبارة في محورها وحول قطبها، فكثيراً ما يهتم الطالب بهذه المعلومات التي لها ارتباط بفكّ العبارة أكثر منه بكثير من الارتباط بالفكرة موضوع الدرس.
مرحلة البحث الخارج: وأهم ما كان يلاحظ هنا: 1 ـ الجمود على طريقة شرح المتون، فقد قام العرف في هذه الحوزة على اعتماد متن فقهي معين، وإدارة البحث الخارج فيه وحوله، يقرأ الفقيه الأستاذ المسألة في الكتاب ثم يبحث في الدليل. والكتب الفقهية التي تعارف القوم على جعلها مثار البحث الخارج ومداره هي: المكاسب للشيخ الأنصاري، وشرائع الإسلام للمحقق الحلي، والمختصر النافع له أيضاً، وتبصرة المتعلمين للعلامة الحلي، والعروة الوثقى للسيد اليزدي، ووسيلة النجاة للسيد أبي الحسن الإصفهاني. والمأخوذ على هذا هو أن خارج هذه المتون مسائل مهمة ـ وقد تكون كثيرة ـ فمن المطلوب منهجياً أن تكون موضع بحث ودراسة، كما أن في هذه المتون المذكورة مسائل ليس هناك حاجة لبحثها ودراستها. 2 ـ الجمود على ما في هذه المتون من موضوعات، فإن مما يُفوّت على الفقيه وطلابه أن يبحثوا ما يستجدّ من قضايا هي أولى بالبحث، لأنّها مما تعمّ به البلوى، ولأنّها أصبحت من أساسيات الحياة المعاصرة، وهي أمثال: البنوك والشركات الحديثة وغيرهما. ومما كان يلاحظ على الوضع التعليمي في الحوزة عدم وجود شروط فيها للقبول، وكذلك لا امتحان فيها للقبول، كما أنه لا امتحان فيها لمعرفة مستوى الطالب. وقد حفّزت هذه النظرة النافذة للتعليم في هذه الحوزة عدداً من أبنائها الواعين لمتطلبات الحياة المعاصرة بما يتغير فيها ويستجد، والمتطلعين إلى مستقبل لها إلى الدعوة لتحديث الحوزة. وكان من نتائج هذه الدعوة أن أسست كلية الفقه، ومدرسة العلوم الإسلاميّة. ومما يؤسف عليه أن الكلية مُنِيَت بسبب ضغط الوضع السياسي العراقي بعزلها عن الحوزة، ومن ثَمّ بعدم تحقيق أهدافها المتوخاة من تأسيسها. أما الدورة أو المدرسة فقد انتهى أمر وجودها، وأيضاً بسبب ضغط الوضع السياسي العراقي. وكذلك كان من نتائج هذه الدعوة أن أُلفت بعض الكتب لتحل محل القديم، منها: ـ في علم المنطق: كتاب « المنطق »، وكتاب « خلاصة المنطق ». ـ وفي علم أصول الفقه: كتاب « أصول الفقه » وكتاب « الأصول العامة للفقه المقارن » وكتاب « المعالم الجديدة » وكتاب « دروس في علم الأصول » و « مبادئ أصول الفقه ». كما كان من نتائجها ـ وهو مهم جداً ـ أن عقد الشيخ حسين الحلي درساً خاصاً لبحث المسائل المستحدَثة، وقام تلميذه السيد عز الدين بحر العلوم بكتابتها تحت إشرافه، ثمّ نشرها بعنوان « بحوث فقهية ».
المرجع الأعلى تتفرد النجف بشيء لا مثل له في أي بقعة من بقاع العالم، ذلك أن فيها دائماً مرجعاً أعلى للشيعة.. هو في الأصل مجتهد من كبار المجتهدين، أجمعت الكلمة على الإذعان لرئاسته ومرجعيته. وإلى هنا والأمر متعارف في كل مكان، ولكن غير المتعارف هو طريقة الوصول إلى هذا الإذعان! فنحن نعلم أن المراجع الدينية في العالم سواء كانت إسلاميّة أو مسيحية يتم اختيارها بإحدى طريقتين: إما طريقة الانتخاب ( البابا مثلاً )، أو طريقة التعيين ( شيخ الأزهر مثلاً ). أما في النجف فلا انتخاب ولا تعيين، ومع ذلك فهناك أبداً خَلَف للسلف الراحل!.. فكيف يتم ذلك ؟ الطريقة النجفية تضمن عدم وصول غير الأصلح، فهناك الكفاءات الشخصية التي تفرض نفسها فرضاً. ويشترط في هذه الكفاءة أن تجمع إلى التميّز بالعلم التميّز بالفكر والعقل والتميز بالاستقامة والأخلاق. وهذه صفات لا يمكن مخادعة الناس بها على طول السنين، وهكذا يتبين للخاصة والعامة سيرة كل مجتهد واضحةً جلية، ويبدأون في حياة المرجع الحي يرشحون في أنفسهم من يصلح بعده خلفاً له. فإذا مات المرجع كانت النفوس كلها ملتقية على الاقتداء بمجتهد معين دون أن تجتمع وتقرر وتعين أو تنتخب. ولا يشعر المجتمع إلا وقد اعتلى سدة المرجعية من هو كفؤ لها، مختاراً اختياراً طبيعياً باعثه الأول صفات المجتهد وسجاياه وفضائله.. وبذلك يتحرر المرجع من أن يكون مَديناً في منصبه لفريقٍ انتخبه أو لسلطة عيّنته. ولابد من الإشارة إلى أن هذا الاختيار الطبيعي لا تقيده جنسية المرشح، وما دام الإسلام عالمياً فيمكن أن يكون المرجع عربياً أو إيرانياً أو غير ذلك. ولا نعلم أنّه وصل إلى هذا المنصب الأعلى أحد من غير هذين العنصرين فلم يصل إليه مثلاً هندي أو بورمي أو تبتي أو قفقاسي أو أفغاني أو باكستاني، والسبب في ذلك أن غير العرب والإيرانيين لا يقيمون في النجف بعد إنهاء دراساتهم بل يعودون إلى بلادهم ويصبحون فيها مراجع محلية كغيرهم من العرب والإيرانيين، العائدين إلى أوطانهم. ويظل في النجف فريق من المتفوقين من العرب والإيرانيين،ويمتد الزمن ببعضهم وتؤهله كفاءته للمرجعية العامة.
مواقف للنجف كانت النجف دائماً طليعة الحركات التحررية، ونستطيع أن نعدد من مواقفها، الموقف الذي وقفته من المعارك الدستورية في صراع الشعوب الإسلامية من أجل إلغاء الملكية المطلقة، فبالرغم من وجود بعض النزعات الاستبدادية، فإن قادة العلماء في النجف بما لهم من نفوذ روحي هم الذين حركوا الشعب الإيرانيّ للمطالبة بالدستور، وهم الذين وجهوا الثورة حتّى فاز الشعب بإلغاء الملكية المطلقة. وقبل ذلك قاد المرجع الأعلى السيّد محمد حسن الشيرازي الحركة الوطنية في إيران في مقرّه في العراق حين علم بإعطاء امتياز التبغ لشركة انگليزية بشروط مُجحِفة بحقوق الشعب، فأفتى بتحريم استعمال « التنباك » الذي كان اعتماد الشركة عليه، فامتنع الشعب كله عن تدخينه، فاضطُرّت الشركة للتنازل عن الامتياز. وفي مطلع الحرب العالمية الأولى، قبل انكشاف نوايا الاتحاديين وقبل استفحال دعوتهم الطورانية العنصرية، رأى مجتهدو النجف في الهجوم الانگليزي على العراق هجوماً أجنبياً على وطنهم فأفتَوا بالجهاد، فتنادى الشعب وراءهم يقوده المجتهد السيد محمد سعيد الحَبّوبي ومعه كتائب العلماء وطلاب النجف مُدجَّحين بالسلاح ومشَوا إلى ساحات القتال في معارك ( الشُّعَيبة ) وغيرها. وبعد الاحتلال الانگليزي للعراق وإعلان الانتداب دعا المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي الشعبَ العراقي لمقاومة الاحتلال والثورة على الانتداب، فهبّ العراق حاملاً السلاح، وكانت الثورة العراقية الكبرى التي أرغمت الانگليز على إعلان الحكم الوطني، ومات الشيخ الشيرازي والثورة مضطرمة فقادها خلفه الشيخ فتح الله النمازي المعروف بشيخ الشريعة.
النجف والأدب النجف في الأصل دار للفقه وأصول الفقه وما يرتبط بهذين العِلمَين من علوم لابد منها في دراستهما. وإذا كانت تُعنى باللغة العربية وعلومها فلأنّ ذلك لابد منه لدراسة الفقه وأصوله، ولكن العجيب من أمر النجف أنها جاءت وكأنما هي مهيأة لإعداد الشعراء وصقل قرائحهم وكشف مواهبهم ودفعهم في معارج التفوق. ولم يقتصر ذلك على عصر دون عصر، فتاريخ النجف حافل بنوابغ الشعر في كل العصور، بل نستطيع أن نقرر أنه إذا كانت كل البلاد العربية قد عرفت ما اصطُلح على تسميته بعصر الانحطاط في الشعر، حيث عاد الشعر العربي هَذراً سخيفاً.. فإن النجف وما يرتبط بالنجف لم تَعرف هذا الدور من أدوار انحطاط الشعر العربي، بل ظل فيها الشعر أصيلاً قوياً يترقرق عاطفة ويشعّ ديباجة ويُجَلجِل أسلوباً ويسمو منهجاً ويعلو صدقاً. بل إن ما يقوله مؤرِّخو الأدب العربي وما يقرّره مدرّسوه من انعدام الشعر إلى العربي الملحمي أو القصصي هو غير صحيح بالنسبة إلى شعر المدرسة النجفية على الأقل. وحين نقول شعر المدرسة النجفية فإنما نعني بذلك شعر جميع المناطق العربية التي تأثرت بتوجيه النجف: كالبحرين والأحساء والقطيف وجبل عامل، فالشعر في هذه النواحي وغيرها من مثيلاتها لم ينحدر أبداً في أصالته وصدقه وديباجته، على اختلافٍ بين ناحية وأخرى وعلى تفوّق في النجف نفسها. ومَردّ ذلك إلى أن الإجادة في الشعر والإبداع فيه يتطلّبان إلى جانب الموهبة عاطفة جياشة صادقة وتجربة موقظة مثيرة ومحيطاً مشجعاً دافعاً، ولم يتيسّر ذلك لقطرٍ ما تيسر للنجف وللبلاد التي تأثرت بمدرستها وتوجيهها. فالموهبة قد تكون موجودة في كل مكان، ولكن العوامل الأخرى ضعف أمرها بشتى الأسباب التي فقدت معها الموهبة الشعرية ما يمكن أن يثيرها ويصقلها. وكان الأمر غير ذلك في المدرسة النجفية الشعرية، فالعاطفة جيّاشة مخلصة أبداً، يحركها حُبُّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام والإعجاب بشمائله، وتهزها بطولة الحسين بن علي عليه السّلام واستشهاده، وتثيرها الدماء المطلولة في ميادين الشرف والإيثار والتضحيات: دماء آل بيت محمد صلّى الله عليه وآله.. والتجربة حاضرة أبداً، تجربة التحمس لتلك البطولات والتأسي بتلك النوائب والانغمار في تيارها انغماراً يجعل الشاعر قطعة من جوهرها وجزء من مراميها، فيعيشها وكأنما هو في عصرها وواحد من المشاركين فيها. والمحيط مشجع دافع أبداً، فالألوف شغوفة بالتحلق حول منبر الشعر المبدع في وصفِ الإمام عليّ عليه السّلام وهو يحمي الإسلام بقتل عمرو بن عبد وَدّ يوم الخندق أو إبادة رؤوس الشرك في بدر وأُحد وخيبر. والنفوس متلهفة للشعر يشيد بمثالية الإمام علي الشامخة وشخصيته المتفوقة. والجماهير محتشدة لسماع القصائد الواصفة ليوم كربلاء.. يوم البطولات الفذة. المحيط كله يدفع الشاعر دفعاً للإبداع والإجادة، والشاعر يشعر دائماً أن قلوب الملايين تصفق له إن لم تصفق له أكفها. كل ذلك جعل من شعر مدرسة النجف شعراً أصيلاً في كل دَور من أدوارها. وحين يُجيد الشعراء في هذه الموضوعات المعينة فإنهم سيُجيدون حتماً في غيرها. ولم يقتصر الشعر على طبقة خاصة اتخذته عَلَماً لها، بل تعداها حتّى إلى المراجع الدينية العليا، فرأينا فيها من يهلهل الشعر رقيقاً عذباً وينظمه جميلاً حلواً. وحسبنا من ذلك المجتهد المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي، ومِن قَبله مربّي العلماء السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، وغيرهما عشرات. والمدرسة النجفية أخرجت فيمن أخرجت شعراءَ لملاحم، ولا نقدم شاهداً إلا الملحمة التي اشتهرت باسم ( الأُزريّة ) نسبة لناظمها الشاعر كاظم الأزري، فهي بحق ملحمة الشعر العربي. وإذا كانت الإلياذة ملحمة التاريخ الإغريقي، والشاهنامة ملحمة التاريخ الفارسي، فإن الأزرية ملحمة تاريخ عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين وجميع آل البيت عليهم السّلام.
1 ـ ويرى بعضهم أن أول من أظهر القبر هو المنصور.
| |
|
| |
hayder alkufi كوفي جديد
عدد الرسائل : 3 العمر : 38 البلد او المدينة : iraq تاريخ التسجيل : 27/08/2007
| موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الإثنين أغسطس 27, 2007 10:47 am | |
| شكرا جزيلا بارك الله بك على المجهود الطيب | |
|
| |
تيمووو "كوفي نابغة"رئيس قسم الموبايل
عدد الرسائل : 2113 العمر : 42 البلد او المدينة : Iraq المدينة : هنا معكم الوظيفة : سري للغايه تاريخ التسجيل : 15/06/2007
| موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الثلاثاء سبتمبر 04, 2007 7:34 pm | |
| موضوع متعوب عليه ويستحق الشكر والتقدير نحن بانتظار الجديد منك اخوي العزيز تقبل مروري الطيب تيمووو | |
|
| |
دالي العراقية "ام اللبن" قائدة حزب الخباثة التحشيشي
عدد الرسائل : 2341 العمر : 38 البلد او المدينة : THE GREAT IRAQ المدينة : c:\windows\system32 الوظيفة : s\w engineering تاريخ التسجيل : 08/08/2007
| موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الأربعاء سبتمبر 19, 2007 1:50 pm | |
| بارك الله فيك على هذا الموضوع الرائع جدا | |
|
| |
الانصاري الخنفشاري كوفي عبقري
عدد الرسائل : 405 العمر : 40 البلد او المدينة : العراق النجفي الوظيفة : مشرف مبيعات في شركة العراق الحديث للتجارة العامة المحدودة تاريخ التسجيل : 20/02/2008
| موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الأحد مارس 02, 2008 9:33 pm | |
| معلومات ولا احلى ولا اروع منهه مشكور اخي | |
|
| |
قيصر العرب كوفي نابغة
عدد الرسائل : 2557 العمر : 40 البلد او المدينة : العراق المدينة : النجف الاشرف الوظيفة : سري جدا تاريخ التسجيل : 20/02/2008
| موضوع: رد: ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) الجمعة مايو 02, 2008 9:53 pm | |
| ابداع خلاق والله وبيك الخير وجعله الله في ميزان اعمالك | |
|
| |
| ظهر الكوفة .... (مدينة النجف) | |
|