بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة(2)
الفصل الثالث
بعدما اثبتنا حقيقة الإبدال بدليل القرآني والاحاديث من كلا الفرقين ، ندخل الى صلب الموضوع .
(3-1) مامعنى الإبدال من الناحية اللغوية والاصطلاحية .
1- الناحية اللغوية :
الأبدال : جَمْعُ بَدَلْ وَ بَدِيل ، و هم الزُّهاد ، و العُبَّاد ، و الأولياء المخلصين للّه
2- الناحية الاصطلاحية :
• (3-1-2-1) في الاصطلاح الصوفي :
- هم قوم ذكروا الله بقلوبهم تعظيماً لربهم ، لمعرفتهم بجلاله ، فهم حجج
الله تعالى على خلقه ، ألبسهم النور الساطع في محبته ، ورفع لهم أعلام
الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ عليهم الصبر
عن مخالفته ، وطهّر أبدانهم بمراقبته ، وطيبهم بطيب معاملته ، وكساهم
حلالاً من نسيج مودته ، ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب في
ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلته
* الشيخ ابن عربي – مخطوطة رسالة القدس في ناصحة النفس – ص 2
- الشيخ فزازة الشامي يقول : « الأبدال : هم من أكلهم فاقة ، ونومهم غلبة ، وكلامهم ضرورة ، وصمتهم حكمة ، وعلمهم قدرة ».*
* الشيخ أبو طالب المكي – قوت القلوب – ج 1 ص 39 .
- الشيخ أبو طالب المكي البدل : هو الذي يبدل بمعاني صفات الربوبية صفات
العبودية ، وبأخلاق الشياطين أوصاف المؤمنين ، وبطبائع البهائم أوصاف
الروحانيين * . ويقول : « الأبدال : من الموقنين ، ليسوا واقفين مع حفظ ،
إنما هم قائمون بحافظ ».*
* المصدر نفسه – ج 1 ص 86 ( بتصرف ).
* المصدر نفسه – ج 1 ص 121.
- الإمام القشيري الأبدال : هم غياث الخلق ، بهم يقيمهم ، وبهم يصرف
الــبلاء عن قريبهم وعن قاصيهم .* *القشيري – تفسير لطائف الإشارات – ج 5
ص 129 ( بتصرف ).
الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني الأبدال : هم الذين فنوا عن إرادتهم
وبدّلت بإرادة الله تعالى ، فيريدون بإرادة الحق أبداً إلى الوفاة .
يقول : « الأبدال : هم خواص الخواص ».
ويقول : « الأبدال : هم المنكسرين القلوب لأجله ، الموحدين العارفين أرباب
العلوم والعقل ، السادة الأمراء الشحن ، خفراء الخلق ، خلفاء الرحمن
وأخلاءه ، وأعيانه ، وأحباءه عليهم السلام » *.
*الشيخ عبد القادر الكيلاني - فتوح الغيب ( بهامش قلائد الجواهر للتادفي ) – ص 11 ( بتصرف) .
تغرب عن الاوطان في طلب العلى وسافر ففي الاسفار خمسن فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة وعلم ، وآدب ، وصحبة ماجد*
*للشيخ الشافعي (ص41) من ديوانه .
* - الشيخ نجم الدين الكبرى يقول : « الأبدال : هم أوتاد الأرض وأطوادها ،
فأهل الأرض بهم يرزقون وبهم يمطرون . والأبدال قوم بهم يقيم الله الأرض ،
وهم سبعون : أربعون بالشام ، وثلاثون بغيرها ، لا يموت أحدهم إلا يقام
مكانه آخر من سائر الناس*
*- الشيخ إسماعيل حقي البروسوي – تفسير روح البيان – ج 5 ص 473 .
- الشيخ الأكبر ابن عربي يقول : « الأبدال : وهم سبعة لا يزيدون ولا
ينقصون ، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة ، لكل بدل فيه إقليم » .*
* الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ج2 ص 7 .
- الشيخ علي بن محمد الشيرازي يقول : « الأبدال و البدلاء : هم الأربعون
الذين تخلقوا بأخلاق الله ، أهل الإرادة والصلابة والإحسان على المسيء
عليهم ، وأهل التجريد والتفريد والتفويض والتسليم ، وهم القائمون بإصلاح
الأمور وحمل أثقالهم ، المتصرفون في حقوق الخلق بما أراد الله في الخلق ،
لا يريدون إلا ما أراد الله ورضي الله عنهم لأنهم رضوا عنه ، وبذلوا
الوجود للموجود الحق فأكرمهم الله تعالى بالكرامات الظاهرة وأيدهم
بالأوصاف الكامل».*
* الشيخ علي بن محمد الشيرازي – مخطوطة برقم ( 4722 ) – ص 55 .
- الشيخ أحمد بن محمد بن عباد الشاذلي يقول : « الأبدال : هم سبعة رجال ،
أهل فضل وكمال ، واستقامة واعتدال ، قد تخلصوا من الوهم والخبال »* .
* الشيخ أحمد بن محمد بن عباد – مخطوطة الموارد الجلية في أمور الشاذلية - ص 19.
الشيخ سليمان الخلوتي يقول : « البدل عند القوم واحد الأبدال ، وهم طائفة
معلومة ، أصحاب وظائف في الكون ، وأول هذه الدرجة من بدل الله سيئاته
حسنات ». *
* الشيخ سليمان بن يونس الخلوتي – فيض الملك الحميد وفتح القدوس المجيد – ص135
الإمام محمد ماضي أبي العزائم يقول : « الأبدال : هم الذين بدل الله مشاهدهم المقيدة بمشاهداته المقدسة » *
* الإمام محمد ماضي أبي العزائم – شراب الأرواح - ص 97 .
ويقول : « البدل : هو أحد إثنين ، لأنه أما أن يكون.
1. خزانة علم الأحكام الشرعية ، وهو أعلم أهل عصره بأحكام الشريعة ، الذي يرجع إليه العلماء ، فيكون بدلاً من أبدال الأئمة .
2. وأما أن يكون خزانة علم بالله ، وبأيام الله ، وبأمراض النفوس وتزكيتها
، وهذا يكون أعلم أهل زمانه بطريق الله ، وسير السلف الصالح ، وأحوال أهل
اليقين ، ويكون مرجع السالكين ، وهذا يسمى : ( البدل الروحاني ) ، لأنه
يطهر النفوس من رعوناتها » .*
* الإمام محمد ماضي أبي العزائم – شراب الأرواح - ص 97 .
(3-1) مامعنى الإبدال من الناحية اللغوية والاصطلاحية .
*(3-1-2-2) في اصطلاح الكسنـزان :
للأبدال معنان :
الأول : الأبدال بالمفهوم العام هم من يستطيع أن يبدل صورته أو صفاته ،
وهؤلاء كثر لا يتميزون من غيرهم من الأولياء بشيء ، فكل من يصل إلى مرتبة
الفناء في الله تعالى يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون بإذن الله تعالى ،
فلا يصعب عليه تبدل صورته أو التكثر في الأماكن ، لأن الأمر مرتبط بقدرة
الله تعالى ، وهو قادر على كل شيء ، فيجري لأوليائه ما يشاؤون من أمور
مادية أو روحية .
الثاني : الأبدال بالمفهوم الخاص ، هم رجال الغيب الذين هم خارج حيطة غوث
الزمان ، وهؤلاء لا علاقة لهم بعالم الملك وإنما علاقتهم بعالم الغيب ،
وكل واحد منهم بمرتبة الغوث إلا انه لا ينبغي أن يظهر ويقوم بالخلافة
الروحية العظمى في عالم الملك إلا واحد ، ولهذا اختصوا بالغيب المطلق ،
ولكن إذا دعاهم الغوث الحاضر استجابوا لإرادته . وأعداد هؤلاء متغيرة من
زمان لآخر .*
*السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني - موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان _ ج3 مادة ( ب د ل ) .
(3-2) أقول العلماء في الأبدال (أهل السنة أهل الشيعة ) :
(3-2-1) أهل السنة :سئل شيخ ابن تيمية :عن الحديث المروى في الإبدال ، هل
هو صحيح أم مقطوع ، وهل الإبدال مخصوصون بالشام أم حيث تكون شعائر الإسلام
قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الإبدال ، بالشام وغيره من الأقاليم ، وهل
صحيح أن الولي يكون قاعدا في جماعة ويغيب جسده ، وما قول السادة العلماء
في هذه الأسماء التي تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة ،
ويقولون هذا غوث الأغواث ، وهذا قطب الأقطاب ، وهذا قطب العالم ، وهذا
القطب الكبير ، وهذا خاتم الأولياء ؟
فأجاب شيخ ابن تيمية : أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك
والعامة ، مثل الغوث الذي بمكة ، والأوتاد الأربعة ، والأقطاب السبعة ،
والإبدال الأربعين ، والنجباء الثلاثمائة ، فهذه أسماء ليست موجودة في
كتاب الله تعالى ، ولا هي أيضا مأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه ، إلا لفظ الإبدال ، فقد روي فيهم حديث
شامي منقطع الإسناد عن الإمام على بن أبى طالب (عليه السلام) مرفوعا إلى
النبي (صلى الله عليه وآله)،أنه قال
إن فيهم - يعني أهل الشام - الإبدال الأربعين رجلا ، كلما مات رجل أبدل
الله تعالى مكانه رجلا) ، ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على
هذا الترتيب ، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ
المقبولين عند الأمة قبولا عاما ، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض
المتوسطين من المشايخ ، وقد قالها إما آثرا لها عن غيره ، أو ذاكرا ، فأما
لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله ، فهو غياث المستغيثين ، فلا يجوز
لأحد الاستغاثة بغيره ، ولا بملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ومن زعم أن أهل
الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة إلى
الثلاثمائة ، والثلاثمائة إلى السبعين ، والسبعون إلى الأربعين ،
والأربعون إلى السبعة ، والسبعة إلى الأربعة ، والأربعة إلى الغوث .
فهو كاذب ضال مشرك ، فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله
وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) وقال سبحانه وتعالى : (
أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ) فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم
بعده بوسائط من الحُجَّاب وهو القائل تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني
قريب أجيب دعوة ألداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )
، وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون
يرفعون إلى الله حوائجهم ، لا ظاهرا ولا باطنا ، بهذه الوسائط والحجاب ،
فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علوا
كبيرا ، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم
يكون حجة الله على المكلفين ، لا يتم الإيمان إلا به ، بل هذا الترتيب
والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم في
السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذي ما نزل
الله به من سلطان .
وأما الأوتاد : فقد يوجد في كلام البعض أنه يقول : فلان من الأوتاد ، يعني
بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان والدين في قلوب من يهديهم الله به ،
كما يثبت الأرض بأوتادها ، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من
العلماء ، فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة
الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة ، ومن كان بدونه كان بحسبه ، وليس ذلك
محصورا في أربعة ولا أقل ولا أكثر ، بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول
المنجمين في أوتاد الأرض .
وإما القطب : فيوجد أيضا في كلامهم : ( فلان من الأقطاب ) ، أو ( فلان قطب
) فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا فهو قطب
ذلك الأمر ومداره ، ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر ، لكن
الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين ، دون مجرد صلاح الدنيا
، فهذا هو القطب في عرفهم .
وكذلك لفظ البدل ، جاء في كلام كثير منهم .
فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي (صلى الله عليه وآله)
، فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام ، وكانت الشام والعراق
دار كفر ، ثم لما كان في خلافة الإمام علي (عليه السلام) عنه ، قد ثبت عنه
أنه قال : ( تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) ، فكان
علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام ، ومعلوم أن الذين كانوا
مع الإمام علي (عليه السلام) عنه من الصحابة ، مثل : عمار بن ياسر ، وسهل
بن حنيف ونحوهما ، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية ، فكيف يعتقد مع
هذا أن الإبدال جميعهم ، الذين هم أفضل الخلق ، كانوا في أهل الشام ، هذا
باطل قطعا ، وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة ، فقد جعل الله
لكل شىء قدرا ، والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط .
والذين تكلموا باسم ( البدل ) فسروه بمعان ، منها : أنهم أبدال الأنبياء ،
ومنها : أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا ، ومنها : أنهم
أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات ، وهذه الصفات كلها
لا تختص بأربعين ، ولا بأقل ولا بأكثر ، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض "
انتهى باختصار من مجموع فتاوى ابن تيمية (11/433-444) .
و جاء في كلام بعض السلف ، وبعض أهل العلم المتأخرين إطلاق لفظ :
( فلان من الإبدال ) ، ومن ذلك ما جاء في "التاريخ الكبير" للبخاري
(7/127) في ترجمة فروه بن مجالد : " وكانوا لا يشكّون في أنه من الإبدال "
انتهى ، وقال الإمام أحمد كما في "العلل" للدار قطني (6/29) : " إن كان من
الإبدال في العراق أحد ، فأبو إسحاق إبراهيم بن هانئ " انتهى .
التكملة بالحلقة القادمة أن شاء الله تعالى