شموخ مع التاريخ وصمود مع الاجيال يتجلى بكل وضوح في افق الحياة الواسع ومع سير الزمن السرمدي لايطويه دوران الأيام ولاتنسيه الدهور والأعوام يجدد الآلام ويثير الأحزان والأشجان بالرغم من مرور المئات من الأعوام ذلك هو يومك الخالد يا أبا عبد الله الذي ضربت فيه امثالاًبلغت أقصى حدودالسمو في التضحية والفداء وأوضحت المعالم البارزة للسبل التي يجب إن تكون منهجا لعبور العقبات الصعاب في هذه الحياة,فما أروع هذا الخلود وما اسمي معانية لو برزت بوضوح حقائقها ورسمت دقائق خطوط أهدافها لترفع المشع الوهاج للأجيال المتعاقبة وتلتهم ثمرات تلك المآثر السامية وتستلهم منها الصبر والعقيدة لتحقيق الأهداف التي دعا إليها الإسلام وكافح من اجلها دعاته الأوفياء لتطهير الأرض المقدسة من دنس الظالمين والغاصبين .
ما أروع يومك يا أبا عبد الله ويا أبا الشهداء ذلك اليوم الذي وقفت فيه تخاطب أنصارك وأهل بيتك قائلاً:إما بعد فقد نزل بنا من الأمور ما قد علمتم وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناة وخسيس عيش كالمرعي الوبيل الاترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا تناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فأني لا أرى الموت الاسعادة والحياة مع الظالمين الابرما.
فما أصبرك يا أبا عبد الله وما أروع يومك حينما وقفت في ارض المعركة وحيداً لاناصر لك ولامعين تتلفت يميناً وشمالاً فلا ترى سوى أصحابك وبنيك وإخوتك صرعى على ألطف المديد والأعداء تحيط بك من كل نواحيك تحدق في خيامك الخالية إلا من النساء والأطفال والصراخ من هنا وهناك وأنت تتلوى لهول ذلك المشهد وتلك الحشود الهائلة وقد شهرت أسنه رماحها في وجهك فتغمض عينيك من هول ذلك المنظر ومما حل ببيت الرسالة وأحفاد الرسول فلا تجد من ياويهم ويكفلهم من بعدك.
ثم تتلفت إلى أنصارك فلا ترى سوى الجثث المبعثرة من حولك فما أهوله من منظر وما ارزأها من مصيبة لم يحدث التاريخ بمثلها ومع كل ذلك فلم تلن لأولئك الطغاة ومضيت في ثورتك على الباطل ثورة الإيمان بكل معانيه وإبعاده على الكفر بكل أباطيله تقول والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم إقرار العبيد وبقيت خالدا خلود الدهر.
إن المسار الثوري الذي حفلت به ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)عزز الكثير من طموح الشعوب المستغلة من اجل إنهاض هذه الشعوب وإيقاد فتيه الثورة للإطاحة بالنظم المستبدة وإيجاد المجتمعات السليمة التي تحقق للشعوب حريتها وكرامتها وطموحاتها في التخلص من الاستغلال وتطوير الحياة وما يضمن لتلك الشعوب أمنها ورفاهيتها.
إن ثورته تركت في دروب الأحرار المجاهدين والصامدين علامات مضيئة تنير مسالك الكفاح وتمهد الطريق الذي يمكن كل ثائر إذا اعتمد في الدرجة الأولى على نزعة السخاء بالأرواح وبذل الأنفس من اجل العقيدة الثابتة ومن اجل مواقع الصمود للوصول إلى النصر.
إن طرح الإمام الخالد لهذا السخاء العظيم بتقديمه نفسه وذويه وصحبه واستشهادهم إلى جانبه مكن هذه الثورة من الديمومة والبقاء لتكون المنار لكل الثائرين الصامدين .
لقد انتصر(عليه السلام)باستشهاده انتصاراً لم يسجل التأريخ انتصاراً أوسع منه ولا فتحاً كان أرضى لله منه,وكان واثقاً من هذا الانتصار ومن هذا الفتح كما كان واثقاً من هزيمته عسكرياً كما يبدو ذلك من كتابه الذي كتبه إلى الهاشميين وهو في طريقه إلى العراق فقد قال فيه:إما بعد فانه من لحق بي استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح ,فالفتح الذي يعنيه الإمام الحسين (عليه السلام) من كتابة إلى الهاشميين هو ما احدثته ثورته من النقمة العامة على الأمويين ومن سار على نهجهم وما زالت هي المعول الذي تتحطم من خلاله عروش الجبابرة .