موقع و منتديات الكوفة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع و منتديات الكوفة

منتدى ثقافي متنوع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابن الكوفة
المديــــر العـــــام

المديــــر العـــــام
ابن الكوفة


ذكر
عدد الرسائل : 1327
العمر : 40
البلد او المدينة : العراق
المدينة : عجّل يا مهدي ال محمد
الوظيفة : ماكو تعيين
تاريخ التسجيل : 24/05/2007

المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Empty
مُساهمةموضوع: المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية   المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Icon_minitimeالأربعاء يونيو 06, 2007 11:25 pm

المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية ManReading

الروايات التاريخية

للصابئة المندائيين حضور في الرواية الإسلامية، ذكرهم أبو فرج النديم (ت377هـ)، وأبو الحسن المسعودي(346هـ) وأبو الريحان البيروني (ت440هـ)، بما هم عليه الآن، وذكر آخرون علاقتهم بأنبياء وشخصيات قديمة، لا يخلو منها كتابهم "الكنـزاربا". وأقدم من هذا قال الطبري مفسراً معنى الصحف الأولى: هي التي "نزلت على ابن آدم هبة الله، وإدريس عليهما السلام"( 70). وقصة معراج دنانوخت (إدريس)، والكتب التي نزلت عليه، ومعراجه إلى السماء السابعة، واضحة في نصوص "الكنـزاربا".


قال الطبري كان "مُلك بيوراسب في عهد إدريس، وقد وقع إليه كلام من كلام آدم، صلوات الله عليه، فأتخذه في ذلك الزمان سحراً، وكان بيوراسب يعمل به، وكان إذا أراد شيئاً من جميع مملكته، أو أعجبته داية أو امرأة نفخ بقبضة له من الذهب"( 71). وبيوراسب "دعا إلى ملة الصابئين... وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم نوح عليه السلام"( 72).

ويعدُّ صابئتنا الحاليون كتابهم كتاب آدم ويعدون إدريس ونوح من عظمائهم. ويذكر المسعودي - غير الرواية الخاصة بالمندائيين الحاليين – أن الصابئة "تزعم أخنوخ بن يرد هرمس، ومعنى هرمس عطارد، وهو الذي أخبر الله في كتابه أنه رفعه مكاناً علياً، وكانت حياته في الأرض ثلاثمائة سنة، وهو أول مَنْ درز الدروز، وخاط بالإبرة، وأُنزلت قبل ذلك على آدم إحدى وعشرون صحيفة، و أُنزلت على شيت تسع وعشرون صحيفة، فيها تهليل وتسبيح"( 73).

تقترب رواية المسعودي إلى حد كبير من قصة "الكنـزاربا"، فأخنوخ بن يرد هو دنانوخت نفسه وهو هرمس، وهرمس هو إدريس، وهو الذي عرج إلى السماء السابعة، المكان العلي، ونزلت عليه الصحف، التي كان يحتفظ بها في غرفة مغلقة، ثم نزلت عليه ثمانية كتب أخرى، لم يصح منها غير الكتاب الثامن.

ورد معراج إدريس (دنانوخت) في "الكنـزاربا" والقرآن الكريم، وقصته واحدة من المتوافقات بين الكتابين. ورد في الآية: "وأذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبيا، ورفعناه مكاناً علياً"( 74). وفي صلة إدريس ببالصابئة وا ينفي عنهم عبادة النجوم أو الأصنام قال السيوطي: "إن النبي إدريس، عليه السلام، دعا الخلق إلى الله تعالى فأجابوه، وكانت عقيدته الصابئة، وهي توحيد الله تعالى والطهارة والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات"( 75).

ويربط المسعودي بين الصابئة القدماء الحرانيين وبين المندائيين الحاليين، ثم اختصاص الأخيرين باسم الكيماريين، مشخصاً مؤسسهم الأول في الديار الهندية، قال: "رجل يقال له بوداسف أحدث مذهب الصابئة، وقال: إن معالي الشرف الكامل والصلاح الشامل، ومعدن الحياة في هذا السقف المرفوع، وإن الكواكب هي المدبرات والواردات والصادرات، وهي التي برزوها من أفلاكها وقطعها مسافاتها، واتصالها بنقطة، وانفصالها عن نقطة سبب ما يكون في العالم، من آثار من امتداد الأعمار وقصرها، وتركيب البسائط، وانبساط المركبات، وتتميم الصور، وظهور المياه وفيضها، وفي النجوم السيارة، وفي أفلاكها التدبير الأعظم وغير ذلك... فاجتذب جماعة من ذوي الضعف في الآراء، فيقال إن هذا الرجل أول مَنْ أظهر مذهب الصابئة من الحرانيين، والكيماريين، وهذا النوع من الصابئة مباينون للحرانيين في نحلتهم وديارهم بين واسط والبصرة من أرض العراق نحو البطائح والآجام"( 76).

وربما قصد المسعودي في حديثه حول كهنة الصابئة "أعلى كهنتهم يسمى رأس كمري" برئيس أمة أو ريش أمة، حسب اللفظ المندائي، وهو أعلى درجة دينية بين المندائيين الحاليين. والمسعودي قد ينفرد في تسمية الصابئة المندائيون بالكيماريين، فلم نعثر على هذه التسمية عند الآخرين، وليس لدينا معنى لهذه التسمية غير الاحتمالات التالية: هو تصحيف لكلمة كماريم التي وردت في "قاموس الكتاب المقدس"( 77).

وتعني "كهنة الآلهة الكاذبة" و"كهنة الأصنام" أو"كهنة عجول بيت أوان"، والجملة الأخيرة، حسب "نبوءة صفينا" من العهد القديم تعني السامرة، وهم فرقة يهودية تخالف اليهود في أمور عديدة، وتعني الجملتان الأخيرتان الصابئة، ففي العرف اليهودي أنهم عبدة أصنام. ومن جانب آخر قد تتعلق تسمية الكيماريين بالختان أو الطهور، وبالتالي مصحفة من كلمة كَمرَة وتعني رأس الذكر، و"المكمور مَنْ أصاب الخاتن كمرته"( 78).

وإن صح ذلك فالتسمية من أسماء الأضداد، مثلما يسمى القبيح بالجميل، والمعروف عن الصابئة أنهم يحرمون الختان لأسباب تتعلق بتقديس ما خلقه الله، أو تتعلق التسمية بالستر والإخفاء، والمندائيين لا يشهرون طقوسهم، فهم ديانة أقرب إلى السرية، ومن معاني الكمر الغطاء والستر، أو لها صلة بالشعر والصابئة يشددون على عدم حلاقته، فمن معاني الكمر منطقة من الشعر وهي فارسية. ويبقى الاحتمالان الأول والثاني هما الأقرب إلى تسميتهم بالكيماريين. وأحسب أن المسعودي استقى معلوماته السالفة الذكر من أحد الكهنة، قصها عليه كما قص الكهنة المعاصرون أسرارهم وطلاسمهم لليدي دراوور، ولم تحفل بها إلا بعد صحبة عشرين عاماً.

سمى أبو فرج النديم المندائية بالمغتسلة، وهو أقرب الأسماء إليهم، قال: "وهو هؤلاء القوم كثيرون بنواحي البطائح (الأهوار) وهم صابئة البطائح، يقولون بالاغتسال، ويغسلون جميع ما يأكلونه"( 79). وقال حول عقائدهم: إنهم "على مذاهب النبط القديم، يعظمون النجوم، ولهم أمثلة وأصنام، وهم عامة الصابة المعروفين بالحرانيين، وقيل إنهم غيرهم جملة وتفصيلاً"( 80).

وفي العبارة الأخيرة تراجع النديم عن الخلط بين الحرانيين والصابئة المندائيين رغم أنه نقل قصة عن أبي يوسف أيشع القطيعي النصراني أشارت إلى حادثة غريبة تؤرخ إلى سبب اتخاذ الحرانيين اسم الصابئة، بعد أن خيرهم الخليفة عبد الله المأمون بين الإسلام أو الالتحاق بدين من الأديان الكتابية، واختاروا الصابئية لوردوها في القرآن بناءً على نصحية أحد العارفين( 81).

وأكثر الظن، أن النديم في تسمية ملة من الملل بالرشيين كان يعني دون قصد المندائيين، وربما سجل ذلك نقلاً من أفواه الآخرين، يظهر ذلك من اهتمام هؤلاء بالماء الحي والظلام، فقد جاء في مقالة الرشيين، وللاسم متعلق مباشر برش الماء:"لم يكن غير الظلمة فقط، وكان في جوفها الماء، الريح، وفي الريح الرحم، وفي الرحم المشيمة، وفي المشيمة البيضة، وفي البيضة الماء الحي، وفي الماء الحي ابن الأحياء العظيم، وارتفع إلى العلو، فخلق البريات والأشياء والسموات والآلهة"( 82).
المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية MandaeanGirl_03وأشار إليهم، لا عن قصد أيضاً، بالكشطيين، ومعروف أن كلمة كشطا كلمة مندائية تعني العهد أو الحق، وتتكرر كثيراً في كتاب "الكنـزاربا" وتأتي مركبة: مشوني كشطا، "أي الحق المتسامي، وهو عالم مثالي وموطن الآدميين السماويين، وفيه أشباه المخلوقات والأدوات الأرضية، ويكون موقعه في الشمال من الكون، حيث يقع عالم النور"( 83). جاء في مقالة الكشطيين: "إنه قبل كل شيء الحي العظيم، فخلق من نفسه ابناً وسماه نجم الضياء، ويسمونه الحي الثاني (لعله مندادهيي) ويقولون بالقربان والهدايا والأشياء الحسنة"( 84).
قد ينفرد النديم في ذكر المندائيين بالتسميات الدالة عليهم، مع الاختلاف في المقالات والعقائد، وينفرد أيضاً في ذكر علاقتهم بالمانوية، وهي ديانة وفلسفة في آن واحد، ظهرت بالعراق في القرن الثالث الميلادي، من أهدافها إقامة كنيسة بابل وأن الوحي والاجتماع المانوي الرسمي لا يتم إلا ببابل، وهذه العلاقة تقدم برهاناً ساطعاً على قدم المندائية بجنوب العراق، حيث جداول المياه العذبة بالأهوار.
بدأت المانوية بصوت سمعه فاتق والد ماني، ناداه من الهيكل قائلاً: "لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا تنكح بشراً، تكرر ذلك عليه دفعات في ثلاثة أيام، فلما رأى فاتق ذلك لحق بقوم كانوا بنواحي دستميسان معروفون بالمغتسلة، وبتيك النواحي والبطائح بقاياهم إلى وقتنا هذا (القرن الرابع الهجري)، وكانوا على المذهب الذي أمر فاتق الدخول فيه، وكانت امرأته حاملاً بماني، فلما ولدته زعموا كانت ترى له المنامات الحسنة، وكانت ترى في اليقظة كأن أحداً يأخذه، فيصعد به إلى الجو ثم يرده"( 85).
وأخيراً، لا ندري إن كان اسم ماني مشتقاً من المانا المندائية، التي تفيد عدة معانٍ، كل واحدة منها مناسبة لصفات الأنبياء، وهي: العقل، الوعاء، النفس، وقد تأتي بمعنى ملاك ذي مرتبة سامية( 86).
روى أبو الريحان البيروني عن آخر: "إن هؤلاء الحرانية ليسوا الصابئة بالحقيقة، بل هم المسمون في الكتب بالحنفاء والوثنية، فإن الصابئة هم الذين تخلفوا ببابل من جملة الأسباط الناهضة في أيام كورش، وأيام أرطحشست إلى بيت المقدس، ومالوا إلى شرائع المجوس، فصبوا إلى دين بختنصر، فذهبوا مذهباً ممتزجاً من المجوسية واليهودية كالسامرة بالشام، وقد يوجد أكثرهم بواسط وسواد العراق بناحية جعفر والجامدة ونهري الصلة، منتمين إلى أنوش بن شيت، ومخالفين للحرانية عائبين مذاهبهم لا يوافقونهم إلا في أشياء قليلة، حتى أنهم يتوجهون في الصلاة إلى جهة القطب الشمالي والحرانية إلى الجنوبية"( 87).
ولرواية البيروني صلة بمندائيي اليوم، فقد ورد في كتاب "كنـزاربا" فصلاً تحت عنوان "تساؤلات آنوش"، جاء في بدايته: "باسم الحي العظيم.. جالس في بلد الضياء، متطلع إلى الأرض والسماء، أنا أنوش الأمين بن شتيل (شيت) الأمين بن آدم الأمين ابن الملائكة ذوي الوقار، ابن بلد المعرفة والتسبيح والأنوار"( 88). غير أن البيروني، الذي نقل هذه المعلومة الهامة، أعتذر في كتاب آخر عن ذكر المندائيين، بقوله: "الصابئون في كتاب الله تعالى مقترنوا بالذكر بالطوائف الذين قدمنا ذكرهم، فأما الكائنون بسواد العراق، حوالي قرى واسط، فما حصلت من أسبابها على شيء البتة"( 89).
رد أبو الريحان على روايات اتهمت الصابئة بأمور منافية لوداعتهم وإيمانهم العميق، مثل ذبح أولادهم وتقديمهم قرابين للكواكب، قال: "ونحن لا نعلم منهم إلا أنهم أُناس يوحدون الله وينزهونه عن القبائح، ويصفونه بالسلب لا الإيجاب كقولهم لا يُحدُّ ولا يُرى ولا يُظلم ولا يجور، ويسمونه بالأسماء الحسنى مجازاً"( 90).
ومن غير المؤرخين جاء ذكر الصابئة المندائيين عند ابن بحر الجاحظ (ت255هـ)، وسنذكرها لا لأهميتها التاريخية بل لمخالفتها الواقع، ونميل إلى أن ابن بحر كان يقصد المندائيين بالذات، فهو من البصرة حيث ديارهم في جنوب العراق، وابن بحر كأديب، صاحب نثر فني، يدخل ما يعرض من أخبار وطرائف بلا تمحيص، وربما خلق الرواية خلقاً. كتب تحت عنوان "خصاء الصابئة": "وأما الصابئون، فإن العابد منهم ربما خصي نفسه، فهم في هذا الموضع قد تقدم الروميّ، فيما أضطر من حسن النية، وأنتحل من الديانة والعبادة بخصاء الولد التام، وبإدخاله النقص على النسل، كما فعل ذلك أبو المبارك الصابي، وما زال خلفاؤنا وملوكنا يبعثون إليه ويسمعون منه، ويسمر عندهم … وقد خصى نفسه من الصابئين رجال، قد عرفناهم بأسمائهم وأنسابهم وصفاتهم وأحاديثهم"( 91).
المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Bowlإن كلام الجاحظ مردود من ألفه إلى يائه، إذا كان الأمر يتعلق بالصابئة المندائيين، فقد حرمت عقيدتهم الجنة على من يعزف عن الزواج، ولا يولون عاقراً منصباً دينياً، والبوثة (الآية) التالية من كتابهم المقدس كفيلة بهذا الرد: "أيها العزاب أيتها العذارى، أيها الرجال العازفون عن النساء، أيتها النساء العازفات عن الرجل، هل وقفتم على ساحل البحر يوماً؟ هل نظرتم إلى السمك كيف يسبح أزواجاً؟ هل صعدتم إلى ضفة الفرات العظيم، هل تأملتم الأشجار واقفة تشرب الماء على ضفافه وتثمر؟ فما بالكم لا تثمرون؟ وجاء في البوثة: "الرجال الزاهدون في النساء، والنساء الزاهدات في الرجال كذلك يموتون، ومصيرهم الظلام حين من أجسادهم يخرجون"، والباثة: "اثمروا إن أردتم أن تصعدوا حيث النور"( 92). فهل تكفي الجاحظ باثات "الكنزاربا" الكثيرة في تقديس الصابئة الخصب؟ أورد أبو فرج النديم أموراً هامة أخرى، لها صلة بكتاب الصابئة المقدس، ذلك الكتاب الذي رفعه رئيس كهنتهم، المدعو دنقا، يوم دخول العرب المسلمين العراق( 93)، ليبين لهم أن قومه من أهل الكتاب. قال النديم عن أحمد بن عبد الله بن سلام مولى هارون الرشيد: "ترجمت هذا الكتاب من كتاب الحنفاء، وهم الصابيون الإبراهيمية، الذين آمنوا بإبراهيم عليه السلام، وحملوا عنه الصحف، التي أنزلها الله عليه، وهو كتاب فيه، إلا أني اختصرت منه ما لابد منه ليعرف به سبب ما ذكرت منه اختلافهم وتفرقهم، وأدخلت فيه ما يحتاج إليه من الحجة في ذلك من القرآن والآثار، التي جاءت عن الرسول (ص) وعن أصحابه، وعن مَنْ اسلم من أهل الكتاب"( 94).

وقال المترجم أحمد بن سلام أيضاً: "ترجمت هذا الكتاب والصحف والتوراة والإنجيل، وكتب الأنبياء والتلامذة، من لغة العبرانية والصابية وهي لغة أهل الكتاب إلى اللغة العربية، حرفاً حرفاً، ولم اتبع في ذلك تحسين لفظ ولا تزيينه مخافة التحريف، ولم أزد على ما أوجدته في الكتاب الذي نقلته، ولم أنقص إلا أن يكون في بعض ذلك من الكلام ما هو متقدم بلغة أهل ذلك الكتاب"( 95).
وعد مولى هارون الرشيد الكتب السماوية، وما ادعتها الصابئية منها، منذ ذلك الزمان بالتالي: "جميع ما أنزل الله تعالى من الكتب مائة كتاب وأربعة كتب، من ذلك مائة صحيفة أنزل الله تعالى فيما بين آدم وموسى، فأول كتاب أنزله الله جل أسمه على شيث عليه السام، وهي إحدى وعشرون صحيفة، والكتاب الثالث أنزله الله على أخنوخ (مصحف من الاسم المندائي دنانوخت) وهو إدريس عليه السلام، وهو ثلاثون صحيفة، والكتاب الرابع أنزله جل أسمه على إبراهيم عليه السلام وهو عشر صحائف"( 96).
أبدى أكثر من باحث، في شأن المندائيين، صعوبة البحث في كتبهم الدينية، بسبب تاريخها المجهول وموضوعاتها الشائكة. فـ"الكنـزاربا" كتاب أُنزل بواسطة هيبل زيوا (جبرائيل) على آدم وشيت وإدريس ونوح، كمجموعة من الصحف نزلت بفترات مختلفة، إلا أن أسماء وأحداث عديدة دخلت في الكتاب تصل إلى زمن يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ومع أن الصابئيين يعتقدون أن كتاباً من كتبهم نزل على يحيى بشهادة القرآن: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأتيناه الحلم صبيا"( 97). غير أن المفسرين المسلمين أشاروا إلى أنه كتاب "التوراة" لا الكتاب المندائي.
تجعلنا رواية النديم عن مولى هارون الرشيد نشكك فيما ذهب إليه الكرملي إلى أن تاريخ كتابة "الكنزاربا" كان بداية القرن الثامن الميلادي، وبالتحديد السنة (708 الميلادية)، وحسب قوله توصل إلى ذلك بعد قراءة حوادث الكتاب. وغير ما جاء في "الفهرست"، عن مولى الرشيد، ذكر ابن أبي أصيبعة أن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ، مصنف كتاب "شرح مذهب الصابئي"، ترجم كتاباً إلى العربية بعنوان "السور والصلوات التي يصلي بها الصابئون"( 98)، ولا يستبعد أن يكون أحد كتبهم الحالية.
هناك تأثيرات مندائية، تعد من ثوابت الدين، قد دخلت بعض الحركات الإسلامية ومنها تحريم الختان، فقد حرم بعض رؤساء الفرق السرية الإسلامية الختان للسبب نفسه، وهو عدم إنقاص ما خلق الله في الجسد، فقد شاع عن عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب أنه شرع لأصحابه، وهم جماعة من الشيعة "تحريم الختان، وقال (ما قالته الصابئة): إن المختتن راغب عن خلق الله، ولولا الشعر والظفر ميتان وعلى الحي مفارقة الميت ما قلمنا ظفراً ولا خففنا شعراً"( 99).
في طقس أو ممارسة الختان يقف المندائيون واليهود على طرفي نقيض، فبالوقت الذي جعلته اليهودية شرطاً أساسياً من شروط الديانة، جعلت المندائية ممارسته خروجاً من الديانة. فالذي لا يختتن لا يكون يهودياً، بمعنى "الختان علامة انتماء للشعب اليهودي، وعلامة عهد بين الله وهذا الشعب"( 100)، والذي يختتن ليس مندائياً، لأنه تجاوز فطرة جسد الإنسان، ولا يجوز إنقاص خلقة الله.
وفي الإسلام لم يذكر الختان في القرآن، وإنما أقره الفقهاء كسنِّة بين واجب وغير واجب، فهو واجب لدى الشيعة الإمامية والزيدية، ومن أهل السنة أوجبه الشافعية والحنبلية والإباضية، إلا أنه لا وجوب له لدى المذهبين الحنفي والمالكي. أما ختان أو خفض البنات فلا يراه واجباً إلا المذهب الشافعي، والزيدي( 101).
عموماً، أن تحريم الختان من قبل المندائيين لم يعد مخالفة كبيرة للمحيط، مدام هناك مسلمون وغير مسلمين، مثل المسيحيين، لا يقرون بوجوبه، ومن جانب آخر هناك معارضة كبيرة ضده في العالم، ذلك لآلامه وما يتعلق بعذاب الإنسان، وخاصة أن بعض العقائد لا تجيزه إلا بعد البلوغ، وقد أنتقلت معارضته إلى داخل إسرائيل، حيث معقل اليهودية( 102).
ومن التاثيرات المندائية الأخرى في المحيط الإسلامي التأثر نرى قصة صراع وانتصار هيبل زيوا المندائي متجسدة في مقالة "أصحاب بن حرب" في محمد بن الحنفية، يوم يخرج من البلد الأمين ويقضي على الجبابرة بسيف من شق صاعقة يكور به الشمس "ثم يعود في عمق الأرض حتى إذا بلغ الماء الأسود والجوّ الأزرق صاح به صائح بسمع الثقلين (الجن والأنس): قد شفيت قد شفيت، فيمسك عند ذلك ويعود إلى البلد الأمين"(103). فالماء الأسود عند المندائيين هو مكان كائن الظلام الروهة في اسفل السافلين من طبقات الأرض، والجو الأزرق هو لون ثيابها، لذا يكره الدين المندائي ارتداء الثياب الزرقاء، مثلهم مثل الإيزيدية.
ينبأ الفقه والتاريخ الإسلاميين عن اعتراف ضمني وواضح بالدين المندائي، ولو سمع الخلفاء صوت المتشددين على شاكلة أبي سعيد الأصطخري وابن فضلان لما ظل على وجه الأرض مندائي، ولو كان وجودهم ينافي عقيدة الدولة الدينية ويتعارض معها لاجتهد الفقهاء وتحايلوا على إزالتهم، ولو رأى الناس منهم مثلما ورد في رسالة الشيخ العقيلي لهبت العشائر والمحلات على قمعهم وهم القلة القليلة بين الملايين.
إلا أن تاريخهم العريق في أرض العراق ووجودهم النافع في الاجتماع والاقتصاد وصبرهم على مشاكسة المحيط يجعلهم في مأمن من تجاوز يريد بهم ترك مرابع ألفوها منذ مئات السنين، وعقائد توارثوها اب عن جد فأصبحت هويتهم، ولغة كانت يوماً لغة العراق، فكم هو محظوظ العراق أن فيه قوم أنجبوا إبراهيم الصابئ وسنان بن ثابت وعبد الجبار عبد الله.
فهل ستأخذ الدولة الجديدة بيد هؤلاء في الحفاظ على وجودهم السكاني بالعراق، وإعادة تأهيل لغتهم الآرامية؟ لماذا لا! ونحن نرى دول العالم وشعوبه المتحضرة تبني المتاحف المحصنة من أجل الحفاظ على حجرة أو قرطاس، وتُعد الظروف الطبيعية من أجل حيوان يتجه نوعه نحو الإنقراض! فكيف والحال عندنا جماعة بشرية لا زالت تقاوم من أجل التحدث بلغة نوح، ويتصل بها تاريخنا السومري والبابلي، وتجمعها مع أدياننا ومذهبنا الأخرى المواطنة أولاً والتاريخ ثانياً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kufa.yoo7.com
قيصر العرب
كوفي نابغة
كوفي نابغة
قيصر العرب


ذكر
عدد الرسائل : 2557
العمر : 39
البلد او المدينة : العراق
المدينة : النجف الاشرف
الوظيفة : سري جدا
تاريخ التسجيل : 20/02/2008

المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية   المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Icon_minitimeالأربعاء مايو 14, 2008 2:03 pm

مشكووووووووووووووور
دمت مبدعا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت الهدى
الادارة
الادارة
بنت الهدى


انثى
عدد الرسائل : 2423
العمر : 55
البلد او المدينة : البصره
المدينة : قضاء ابي الخصيب
الوظيفة : مدرسه
تاريخ التسجيل : 17/02/2008

المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية   المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية Icon_minitimeالأربعاء مايو 14, 2008 2:42 pm

الله يعطيك العافيه دمت مبدعا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المندائيون في الذاكرة الاسلامية ...(ح3) الروايات التاريخية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع و منتديات الكوفة  :: القسم الديني :: منتدى الاديان الاخرى-
انتقل الى: