موقع و منتديات الكوفة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع و منتديات الكوفة

منتدى ثقافي متنوع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السر الثالث ... ح1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الزاملي
كوفي جديد
كوفي جديد



عدد الرسائل : 1
العمر : 58
البلد او المدينة : الكوفة
تاريخ التسجيل : 22/08/2014

السر الثالث ... ح1  Empty
مُساهمةموضوع: السر الثالث ... ح1    السر الثالث ... ح1  Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 26, 2014 7:33 pm

السر الثالث ...الحلقة 1
حسين كاظم الزاملي

رواية  أدبية تتحدث عن دور الرجل المنقذ في حركة التأريخ ...

الإهـــــــــــــداء

إلى : فرانسيسكو... جاسنتا ... والسيدة لوسيا
الذين تشرفوا برؤية الأم السماوية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) وتزودوا من فيض
عطائها النوراني .


" في زمن ما أخبر الله تعالى ملائكته عن مشروع كبير يريد أن ينفذه على الأرض وكان يتمثل بخلق الإنسان... يومها أبدت الملائكة بعض التحفظات وأطلقت مجموعة من التساؤلات حول ذلك الإنسان الذي سيثير المتاعب ويعلن العصيان ويسفك الدماء ويرفع راية الفساد عاليا إلا أن الله تعالى قال لهم أن علمي فوق ما تعلمون ... فكان مشروع    الإنسان ... أدم ... حواء ... ومن تلك اللحظة بدأت التحديات ، ولأن الله تعالى أراد أن تسجد كل الملائكة لذلك المشروع ولأن إبليس كان ضمن لائحة الذين شملهم الأمر الإلهي فرفض بشدة ذلك الأمر وطرح مجموعة من التبريرات التي لم تصل إلى درجة أن يقبلها الرب وهنا تجرأ إبليس ليعلن عداوته المطلقة لذلك المشروع وأعلن تحديه بكل وقاحة بشرط أن يعطيه الله تعالى العمر المديد وسعة الحركة في مديات ذلك الإنسان ، فقبل الله تعالى ذلك... وأعطاه ما أراد ... وبدأت المعركة ... وقتل قابيل شقيقه هابيل كنتيجة أولى لذلك الصراع ... واستمرت المعركة بكل شراسة ... وماتت أمم وانبعثت أخرى ... وقُتل الأنبياء ... وبقى الصراع على أوجه ... وحينما بقى أخر رجل من سلسلة الرجال المُخلَصين الموكلين بهداية الناس وإصلاحهم ... أعلن الرب عن تخفيه ... وهكذا حتى تأتي اللحظة التي وعد بها بأن يقتل إبليس ويتحقق العدل الإلهي على كل بر وبحر ... هذه الرواية تتحدث عن ذلك الرجل المتخفي منذ قرون بعيدة ... لقد أطلق ألله تعالى عليه أسماء كثيرة وهو يتحدث مع الأمم الماضية عنه وعن زمانه الموعود إلا أن أسمه في الرواية " اوقيدمو " الاسم الذي أطلقته التوراة بلغة أهل بابل القديمة " تركوم " على الرجل الأخير والقادم من وراء الغيب  ، أطلقتُ على أتباعه على مر العصور" الأوقدوم " نسبة إلى أسمه المبارك ... للرواية شخوصها وزمانها وأماكنها الخاصة والتي نبعت من خيال الكاتب ، الكلمات التي نسبت للرجال المقدسين أخذت من بعض المصادر ووضعت بتصرف ، الرواية عبارة عن محاولة لتسليط الضوء على (الغيب) حينما يحرك الحدث ويصنع الموازنة ويرسم برشيته الخفية الوجود الإنساني الماضي والحاضر والمستقبل إذا هي عبارة عن رحلة أدبية تبين حاكمية الماوراء ودوره في حركة التأريخ" .



الأبهة المقدسة ستخفض جناحيهـــــــا
عند قدوم صاحب الشريعة العظيـــــم
سيرفع المتواضع ويقلق بال المتمــــرد
لن يظهر مثيله على الأرض مرة

 كتاب القرون
نوستر أداموس






حينما يلوح في السماء شيء مخيف ، مخيف جدا ، ليس لكم لأنكم ستكونون فرحين مستبشرين ، بل لأولاك الذين تجاهلوا الله ، وأعلنوا العصيان ، يومها سترون الشمس تشرق من مغيبها وتتغير الأمور بشكل لم يسبق له مثيل ،  حينئذ سيتأكد لكم أن اوقيدمو ليس أكذوبة لأنكم حينها سترونه وأنتم في أي مكان وهو يتحدث معكم بلغتكم .




القديس آوتانيا
أحد أبطال الرواية
من كلماته التي كتبها على جدار سجن المحرقة المرعب




االمقدمة...
اليوم هو الخميس 24/2/2005  ، الساعة الثامنة مساءا

بضحكة تقليدية ، تقليدية تماما ، أعتاد مشاهدو برنامج " لا مكان لليأس" أن يشاهدوها وهي تتربع على شفتي مقدمة البرنامج الآنسة كاترين أنتوني وهي تستقبل من تستضيفه في البرنامج ، وهاهي اليوم تستقبل ضيفتها السيدة ماريا الأفريقية الأصل بتلك الابتسامة ، قالت.
ـ مرحبا بك سيدة ماريا، نبارك لك شفائك ، لقد سمعنا عنك ولكم تمنينا أن نلتقي بك ،  أنت معنا على الهواء في هذا البرنامج الذي يبث من المحطة الرابعة من التلفزيون الأسباني، قبل البدء كيف تقيمين هذا البرنامج أو لنقل كيف ترينه سيدتي؟.
تبسمت السيدة ماريا ، قالت.
ـ أشكرك آنسة كاترين ، مؤكد أنه برنامج رائع ، رائع جدا ، هو غني عن التعريف ، إنه يحاول أن يصنع شيئا جديدا ، هو خلاف كل الاتجاهات المطروحة ، إنه يذكرنا بنقطة البدء بعدما أضعنا الطريق ، كنت من المتابعين له باستمرار ، أتذكر أنه فآتني مرة واحدة ، حينما أبدلتم بثه من عصر السبت إلى مساء الخميس ولم أكن أشعر بذلك التغيير مع إنكم حسبما عرفت قد نوهتم أكثر من مرة على ذلك التغيير .
صمتت قليلا وهي تنظر في وجه كاترين ، كانت مبتسمة ، أكملت حديثها.  
ـ في أسوء ساعات مرضي كنت أتذكر تلك الحالات التي عرضها البرنامج أمثال الأب روفري والعجوز فينيا ربسون والشابة نيكولا، وكنت أقول في نفسي أن ثمة قوة قادرة على إعادتي إلى الحياة وكنت أحس أنها بمتناول الأيدي ، المهم أن برنامجكم زرع في روحي شعورا وهو أن تلك القوة ليست محض وهم وعلينا أن نتوجه إليها لأنها هي القادرة على أن تصلح ما بنا من علل.
ـ جيد سيدة ماريا ، وأشكرك ، هل يمكن أن تحديثنا ، وبالتحديد ، ماذا حدث لك ، هناك كثير من المشاهدين في عموم أوربا يشاهدونك الآن ، بالتحديد ماذا حدث لك سيدة  ماريا ؟.
قالت.
ـ نعم وبكل سرور .
أردفت بعد لحظات من الصمت .
ـ كنت مصابة بأورام سرطانية مميتة ، لا مجال لأن أعيش ، هكذا قال معظم الأطباء ، لقد استوعبت هذا الشيء وأخذت بالاستعداد ورحت أصلي كثيرا من أجل المغفرة ، أتذكر إن الدكتور أدواردز بيفان وهو المشرف الأول على حالتي قال لي بعد أن فقت من غيبوبتي ، أكثري من الصلاة سيدة ماريا فتأكدت أنها الساعات الأخيرة ، كنت حينها في الغرفة الرابعة والعشرين من الطابق الخامس في مستشفى القديسة ماتينا الخيري ، كنت أشعر أن ثمة قوة قادرة على إرجاعي إلى الحياة ، كنت أفكر في أولادي الثلاثة ، ريد ، جوكور، كابانيس وهو أصغرهم سنا كنت أفكر به كثيرا ، قبل أيام بلغ عامه الثاني عشر ، كنت أنظر إلى الجسر المعلق البعيد ، حينها أحسست أن هناك رجل يقف جنب الباب ،  تصورته أول الأمر أنه طبيب كالذين يدخلون علي كل يوم ،  أدرت وجهي إليه ، كان شابا وسيما يرتدي ملبسا أبيضا ، أبيض تماما وقد وضع على رأسه شيئا من ذلك القماش الأبيض، كان وسيما جدا ، تبسم في وجهي ، كانت ابتسامة تبعث الطمأنينة في النفس ، قال وهو مبتسم " كيف حالك سيدة ماريا ، جئت لأساعدك " كان يحمل في يده قارورة صغيرة لم أميز لونها أول الأمر ولكن بعد أن أقترب مني رأيتها بيضاء ، أحسست أنه ليس من الأطباء ملبسه وشكله يوحي بذلك ، كان وجهه أسمرا مشوبا  بالحمرة والتي لم أرى مثلها وكأنها النور ، على خده الأيمن شامة سوداء لم أرى أجمل منها ، لحيته خفيفة وكانت بيضاء إلا أن عمره في عقد الأربعين هكذا ترائى لي ، أردت أن أقول له أنني أموت لكنني لم استطع أن انطق بأي حرف ، قال " تكلمي أنا أسمعك ، لقد قلت توا إنك تموتين ، لا تتعبي نفسك وتحركي شفتيك أنا أسمعك سيدة ماريا " حدثته في روحي وقلت باستغراب كيف يتسنى لك أن تسمعني ، وقبل هذا من تكون أنت أيها الشاب هل أنت المسيح ، تبسم ، وتقدم بخطوات قال بهدوء " أنا لست السيد المسيح ، إلا أن السيد المسيح يعلم بحالتك أيضا هو دوما معي ويعلم بقدومي إليك ،  أما من أكون فأنا البقية الصالحة ، أنا الذي أدخره الرب لنصرة الضعفاء ، أما كيف أسمعك فذلك من العلوم التي ما زال أمامكم وقت حتى تتعلموا شيئا منها ، المهم إنني أسمعك سيدة ماريا "  قلت له ما أسمك قال لي وهو يبتسم " وما ينفعك أسمي لقد أطلقت الناس علي أسماء كثيرة فأي أسم تريدين منها ، أنت أبنت العزيز كونتي بيرا لقد عاصرته وكان طيب القلب ، لقد كان اسمي يوم ذاك اوقيدمو " أردت أن أقول له من هو كونتي بيرا إلا أنني رأيت نفسي أقول له " اوقيدمو ، لم اسمع بهذا الاسم سيدي " تبسم مرة أخرى قال لي  " نعم كان ذلك في القديم ، افتحي فمك " فتحت فمي فوضع ما كان في القارورة من سائل وكان طعمه طعم الماء ، بعدها لم أحس بأي شيء وعرفت بعد ذلك أن غيبوبتي استمرت ثلاثة أيام ، ولما استيقظت وجدت مجموعة من الأطباء تجري علي فحوصات مختلفة وعلمت من أحد الأطباء إنني قد شفيت تماما ورجعت قواي الجسدية إلى عهد الشباب.
قالت كاترين"  كيف لنا أن نوثق هذا الحدث سيدة ماريا؟"." لكم أن تتصلوا في المستشفى وتسألوا عن ملفي الصحي ، هناك طبيب دخل إلى الغرفة وهو أول طبيب يدخل بعد دخول ذلك الشاب فوجد تلك القارورة وهي عنده الآن وسمعت أنه وجد بها قطرات فأعطى زوجته المصابة بسرطان الثدي وشفيت تماما هو نقل لي ذلك بعدما زارني إلى بيتي""ـ  هل لنا أن نتعرف على اسمه ؟"." لكم أن تسألوا عنه "صمتت ، أردفت ،"ـ ربما لا يرضى أن أقول لكم عن أسمه".
قالت كاترين.
ـ لا تذهبوا ، لحظات لنعود إليكم ، ما زالت هناك أشياء كثيرة في برنامج لا مكان لليأس، فاصل لنعود إليكم.

*****

قبل ذلك الوقت بقرون عديدة.                                      

الفصـل الأول

"اليوم هو الاثنين الثامن عشر من الشهر الثاني عشر من عام 328 على الحساب الأوقدومي القمري".
قالت بتأوه أكثر مرارة من ذي قبل " لا مناص من الذهاب إلى النهر" صمتت ولكنها سرعان ما أردفت " ألا أنه بعيد وبعيد جدا " ، كانت محنية الظهر تنظر بعينيها الداكنتين والغائرتين في ذات الوقت إلى النهر، نهر ريس ، والذي مد نفسه بين الأعشاب والأحراش والأراضي المنبسطة بتعرج واضح ومعقد بدآ للناظر من فوق قمة سيمون ، وهي أعلى قمة جبلية يمكن أن تشاهد في تلك السلسلة الطويلة والتي يطلقون عليها جبال نسرون ، بدا وكأنه أفعى هاربة من مسحات فلاح ضليع ، هذه هي المرة الرابعة التي تتأوه بها السيدة آنيتا منذ أن خرجت من الكوخ ونظرت إلى ريس ، تأملت وقد أسندت ظهرها على جذع شجرة من أشجار الصندل المنتشر هنا وهناك ، كانت على مقربة من باب الكوخ ، الكوخ الكبير وليس الصغير والذي لم تدخل إليه السيدة آنيتا منذ ثلاثة أيام ، أغمضت عينيها وراحت تتنفس بعمق ، كان وجهها هادئا ، هادئٌ جدا ، ويبدو أنها كانت مستطردة في التفكير ، التفكير العميق ، كانت عصا التوت ما تزال بيدها اليمنى وهي تتوكأ عليها حينما تريد أن تسير لمسافات طويلة ، ارتجفت العصا تحت يدها ، هذا يعني أنها بدأت تتضجر في نفسها ، نظرت برقبة نصف معوجة إلى عربات الشراء ، شراء بعض الخضر من الحقول القريبة على منزل السيدة آنيتا ، كانت نظرة خاطفة وبائسة ، بائسة تماما ، كانت تنظر إلى سائقي العربات والى الأطفال وهم يمرحون حول العربات وكانوا يتسببون بإزعاج حقيقي إلى العمال ، حركت رأسها وتبسمت في نفسها ، كانت ابتسامة ساخرة ، تماما مثلما يبتسم المستخف من كل شيء حينما يواجه قدر سيء لا يقدر عليه ، لمحت في الأرض الجرداء القريبة حصاة تلمع بفعل انعكاس الشمس التي لم يبق عليها إلا ساعتين لتتوارى خلف الجبال البعيدة ، فكرت أن تلتقطها ثم سرعان ما عدلت عن تلك الفكرة ، كانت قديما جدا تفعل ذلك ، حينما كانت ما تزال صغيرة ترعى الأغنام بالسهول كانت تلتقط كل حصاة تلمع إلا إنها ومنذ زمن بعيد نأت بنفسها عن تلك الأفكار ، نظرت إلى ريس مرة أخرى ، حركت رأسها وقد لاح لها شيء من الماضي وبالتحديد ذكريات زوجها آوتاني ، كانت دوما تلح عليها تلك الذكريات خاصة حينما تتجه نحو ريس ، نباح الكلاب عكر مجيء تلك الذكريات بالشكل الذي ترغب به السيدة آنيتا ، قالت في نفسها " الأشياء تتغير كل شيء يتغير بسرعة ، هذه الشجرة بالأمس كانت صغيرة لقد غرسها آوتاني هنا ، أتذكر جيدا كيف غرسها وكنت أساعده في ذلك قلت له لنغرسها هناك إلا انه أصر على أن يغرسها هنا ،  قال لي سنجلس تحت ظلها في يوم ما وسيكون شيئا جميلا ، حتى داوود ذهب هو الآخر ، كان عليّ أن أتوقع ذهابه ،  كيف لي أن أثق بالأشياء ما دامت تتحرك بسرعة كبيرة " ، قالت ذلك وهي تلمح سرب من اللقالق البيضاء غادية في السماء إلى نحو الجنوب ، عشرة أيام مضت على غياب داوود ، كان دوما يأتي وقبل أن ينسحب من عمله الحقلي عصرا لينجز ما تحتاجه العجوز من أشياء وأول تلك الأشياء ملأ القربة من ريس ، كان يجلب حزمة من القش تطوعا ويرميها قرب بيت الدجاج وليس في باحة القش ، ذات مرة قالت له العجوز ذلك ، قالت له " ضعها في باحة القش " صنع ذلك أياما ولكنه عاد ليرميها قرب بيت الدجاج، وكانت العجوز تتلقاه مبتسمة ، دوما تتلقاه مبتسمة وحتى لو كانت ابتسامة مصطنعة ، وكانت السيدة آنيتا لا تجيد ذلك ، كانت دوما تحاول ولكنها لم تكن تجيد ذلك ، كانت تقول له إذا ما رأته حاملا القش أو القربة " أشكرك يا ولدي لقد أتعبتك معي " ، دوما الكلمات ذاتها وكأن العجوز لا تعرف غير تلك الكلمات ، لم يكن نهر ريس بعيدا ولا هو بعيد جدا ، قديما كانت تقول العجوز انه قريب وقريب جدا ولكم تمنت أن يكون بيتها عند مفترق طريق التجار حيث لا يمكن لك أن تشاهد أشجار الصندل والخيزران وبعض الدردار من هناك وهي تساير النهر وتفترق عنه عند المنعطف حيث يذهب النهر باتجاه الشلال ، شلال ديمتروس الكبير ، وهناك من يسميه القديس ديمتروس ، مسكت القربة وقد تركت العصا ، عصا التوت حيث كانت تجلس وراحت تمشي باتجاه ريس ، كانت تتمتم بكلمات مبهمة جدا ، حتى لو أصغيت إليها لا تخرج بطائل منها ، هذه القربة كانت العجوز تفكر دوما باستبدالها ، ستة أعوام مضت حينما فكرت أول مرة باستبدالها يومها قالت في نفسها " لأنتظر بعض الأشهر ، ما زالت جيدة " الصبية في القرية هم الذين صنعوها من جلد الضأن ، حينما اشترتها منهم قالوا لها " يمكن أن تنتفع بها خمسة أعوام قبل أن تفكري في استبدالها " يومها ضحكت وقالت ساخرة " وما أدراكم إنني سأعيش خمسة أعوام" ، مسكتها من الحبل فراحت تتدلى راقصة على أنغام خطواتها المرتبكة بفعل تعرج الطريق وكان بإمكانها أن تأخذ طريق السواقي فهو اقل تعرجا إلا أن العجوز كانت تنظر إلى داوود وهو يسلك هذا الطريق وكان يقفز على المروز وهو يتسابق مع فراش  الكرنب والمورفو وأحيانا اليعسوب والمذناب المقون ذو الألوان الزاهية ، من المنطقي جدا أن تأخذ العجوز غير هذا الطريق فقد لا يعود الصبي داوود إليها أبدا ، لقد ذهب إلى حقول المهاجرين ، قال له أبوه " لقد أصبحت فتى وعليك أن تلتحق بحقول المهاجرين إنهم يدفعون إضعاف ما يدفعه المزارعون هنا ، لو كانوا يرضون بالشيبة لذهبت معهم ، إنهم يريدون الشباب فقط " يومها جمع داوود حاجياته وذهب مع أول عربة طافت تبحث عن العمال الشباب وكان في كل عربة خبير من المهاجرين يرى ما إذا كان العامل شابا أو شيخا فإذا اقتنع به يأخذه ويعطي أهله أجر أسبوع كمنحة غير قابلة للرد ، ثم يكتب اسمه في رق ويمضي ، يومها فكر داوود أن يخبر العجوز إلا أنه أستدرك قبل أن يصل إلى الكوخ بأمتار ،أطرق وأقفل راجعا ،  حينما شعرت انه تأخر عنها أياما سألت عنه فقيل لها  " لقد ذهب إلى حقول المهاجرين " تأسفت له وتمنت رجوعه وصلت من اجل ذلك كثيرا .
تعثرت العجوز إلا إنها لم تقع ، دخلت في ألاماكن التي تنتشر بها أزهار النسرين والخزامي وهذا يعني أنها وصلت تقريبا إلى حافة نهر ريس حيث السلالم الصخرية السبع ولم يبق أمامها إلا أمتار ،  وقفت وقد سمعت أنينا لحيوان يحتضر وتبادر إلى ذهنا بمجرد أن سمعته انه احد الجراء وقد انقطع حديثها مع نفسها والذي بدأته منذ أن كانت مسندة ظهرها على جذع الصندل ، انقطع تماما وراحت تركز على مصدر ذلك الصوت وهي تدير برأسها على كل الاتجاهات ، لحظات ليجرها إليه صوته الخافت الذليل والذي كان يصدره متقطعا ، وجدته بين الأدغال والنسرين وهو يجود بنفسه ، تململت كثيرا حينما رأته وكذلك حينما كانت تبحث عنه ، وقفت على مقربة منه بحيث لامس ردائها الأصفر ظهره ، حرك رأسه وذيله كذلك ، محاولة منه لأن يقول لذلك القادم القريب منه إنه يموت وكان قبل ذلك قد ألقى رأسه بين الأدغال وهو لا يقوى على تحريكه ، تبسمت وقد هرع زوجان من القطا من بين أقدامها ، تأملت ، استدارت دورة كاملة ، لم تسمع غير أصوات اللقالق وبعض الضفادع وهناك في البعيد أصوات الأطفال تمرح قرب العربات ، عربات شراء الخضر ، يمكن للعجوز أيضا أن تسمع ذلك الصوت الذي يطلقه شلال القديس ديمتروس من بعيد وهذا يحتاج من العجوز إلى شيء من الإصغاء ، قالت في نفسها " لا يوجد غيره " ثم ذهبت نحو السلالم الصخرية كانت تفكر في أمره قالت في نفسها ولكن بحزن شديد "لا يوجد أي خيار أمامي علي أن أخذه معي إلى الكوخ ، إنه أمر محير تماما إنه يموت" ملئت القربة ثم وقفت جنبه مرة أخرى قالت في نفسها " لأبحث عن أخوته ربما لديه أخوة " تفقدت مابين السيقان ، سيقان النسرين وبعض الأدغال لخطوات ، خطوات فقط ، لم تبتعد كثيرا كانت تتمنى أن لا تجد أحدا وفعلا لم تجد غيره ، حملته على تضجر ،  قالت وهي تضعه في الكوخ ، الكوخ الذي يقع في المؤخرة والذي لم تدخل إليه العجوز منذ ثلاثة أيام إذ لا يوجد فيه ما تحتاجه ، قالت "  أبقى هنا حتى أعود إليك " ثم وضعت له بعض الحليب وهشمت له بعض الخبز وراحت تغذيه وهو يئن ، تركته بعد أن تذكرت أنها لم تضع حزمة القش حيث تغطي بها بيت الدجاج بعد أن بعثرتها الريح العاتية التي هبت ليلة أمس وكان هذا مناف لطبيعة المناخ في مثل هذا الوقت ، حينما عادت تحمل حزمة القش مرت ببالها فكرة انه ربما يكون هناك آخرين  وربما كانوا بعيدا عنها وأنها لم تبحث عنهم جيدا وكان ثمة صوت في روحها يقول لها أنها كانت مقصرة في هذا الأمر ، حركت رأسها محاولة منها أن تبعثر ذلك الصوت إلا أنها لم تفلح ، صاحت بصوت عال " لم أسمع أي صوت يدل على وجودهم ومع ذلك فسوف ابحث عنهم غدا صباحا ".
لم يكن احد هناك ليسمعها  ، وكان ذلك من حسن حظها  ، وإلا لكان هناك من يتحدث في القرية عن جنون السيدة آنيتا .
في الصباح بحثت جيدا في الأدغال ولمسافات بعيدة لكنها لم تجد أحدا ، أبدا لم تجد أحدا ، حينها رجعت وراحت تفكر في بناء بيت له ، أخيرا وقع اختيارها أن يكون وراء الكوخ الصغير، وفعلا في اليوم التالي بنت له من بعض الجذوع المتيبسة والقش بيتا متواضعا جدا وقالت له وهي تضحك " هذا بيتك يا تول"هذه المرة الأولى التي تنطق بها السيدة آنيتا اسمه والحقيقة أنها فكرت في اسمه الليلة التي مضت وتذكرت أن آوتاني حدثها ذات مرة عن كلب قد رباه حينما كان شابا وقد أطلق عليه ذلك الاسم أي تول.
لقد ألقته أمه ذات الأصول البنجابية مع ستة من أمثاله ثم تولت عنهم باحثة عن شيء تأكله لكنها لما عادت مسرعة تشق سيقان النسرين بصعوبة بالغة لم تجد منهم أحدا إلا ذاك الذي وجدته العجوز آنيتا ، هي وضعتهم بين السيقان كي لا يلمحهم طائر الكلندور المستبد جدا على ذلك الضفاف إلا إن ريس أفجعها وجعلها تعوي ليالي كثيرة ، ربما لم تكن تعلم أن ريس يشكل خطرا أيضا ، لقد تحركوا وهم مغمضين العيون إلا لمحات يرون من خلالها تشابك السيقان وقسوة الأدغال ، كانوا يتقلبون بين الصخور الصغيرة كل حسب استطاعته ، كانوا يريدون أن يستكشفوا العالم حولهم ، خمسة أيام ، هذا الزمن لا يكفي لأن يعطي الجراء الخبرة لأن يسيروا عدة خطوات ، فكيف وقد وصلوا الضفاف ، كانوا يتبعون ذلك الذي بدآ وكأنه الأقوى ، كان يفتح لهم تشابك النسرين وهو فرح بذلك الإنجاز ، لم يشعر انه يذهب بهم إلى الهاوية ، خطوة واحدة ليسقط في المنحدر ، ثم تبعه الثاني وهكذا الذي خلفه ، وليأخذهم المجرى إلى شلال ديمتروس الكبير والذي يمكن لك إذا أصغيت أن تسمع صوت هديره وأنت تقف حيث سقط الجراء ، إلا ذلك الذي عثرت عليه العجوز آنيتا فأن قدمه علقت بإحدى الصخور وحين أفلتها كان كل شيء قد انتهى.
لم تعلم العجوز وهي تلتقطه من بين النسرين متضجرة وغاضبة جدا من أن أمه قتلها فلاح وهي تجتاز حقول الذرة الصفراء وكان ذلك بعد حادثة ريس بعشرين يوم ، كان الفلاح يريد أن يجرب حظه في الرمي وكان قبل ذلك يجرب على شاخص خشبي أحمر متآكل وضعه لطرد الطيور عن الحقول وكانت الطيور وبعض العصافير تقف عليه  تستريح وخاصة على يديه الممدودتين وهي تتابع حركة النمل وبعض الحشرات وكانت تلتقط منها ثم تهرب ، لمحها وهي تسير على أحد المروز القريبة فوجه إليها سهمه ثم أطلقه وليصيبها ، أصابها في حين انه لو وجه سهمه إلى الشاخص سبعين مرة لما أصابه ، حينما هوت قفز وركض باتجاهها ، رآها وهي تركل الأرض برجليها ، عيناها مفتوحتان ترقرقان بالدموع ويعلوهما التراب ، كانت تصدر أصوات مؤلمة جدا ، تضجر كثيرا لأنه لم يفكر في قتلها ، أخرج السهم ثم أقفل راجعا إلى البيت ولم يتابع عمله وكان يستطيع أن يعمل لساعات ، في اليوم التالي وجدها متيبسة هي والجرذ الذي كانت تحمله في فمها لحظة ما أصابها السهم وهناك مجاميع من النمل مجتمعة تأكل منهما ، شق لها حفرة صغيرة ورماها بها ثم أرجع التراب عليها وذهب وهو يتحسر.

يتبع ان شاء الله

K.HUSSEN31@YAHOO.COM
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السر الثالث ... ح1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع و منتديات الكوفة  :: القسم الادبي والثقافي :: منتدى القصص والروايات-
انتقل الى: