شاعر العرب الأكبر : محمد مهدي الجواهري !!
[size=29] فتى الفتيان .. المتنبي [/size].
تحدى الموتَ واختزلَ الزمانا ...... فتىً لوّى من الزمنِ العِنانا
فتىً خبطَ الدُنى والناسَ طُراً ............. وآلى أن يكونَهما فكانا
رابَ الجنَّ إنسٌ عبقريٌ ............ بوادي (عَبقَرَ) افترش الجنانا
تطوفُ الحورُ زِدْنَ بما تغنّى ........ ـ وهنّ الفاتناتُ ـ به افتتانا
دماً صاغَ الحروفَ مجنَّحاتٍ ........ رهافاً، مشرئباتٍ، حسانا
فُوَيقَ الشمسِ كنَّ له مداراً ........ وتحت الشمس كنَّ له مكانا
وآبَ كما اشتهى يشتطُّ آناً ......... فيعصفُ قاصفاً ويرِقُّ آنا
وفي حاليه يَسحَرنا هواهُ .......... فننسى عبر غمرتهِ هوانا
فتىً دوّى مع الفلكِ المدوّي ........ فقال كلاهما: إنّا كلانا!
فيا ابن «الرافدين» ونِعمَ فخرٌ .......... بأنّ فتى بني الدنيا فتانا
حَبَتْكَ النفسُ أعظمَ ما تحلّتْ ........... به نفسٌ مع المحنِ امتحانا
وذقتَ الطعمَ من نكباتِ دهرٍ ........ يَمُدُّ لكل مائدةٍ خُوانا
وجهّلكَ المخافةَ فرطٌ علمٍ ........ بكُنهِ حياةِ من طلبَ الأمانا
وأعطَتْكَ الرجولةُ خَصْلتَيْها ....... مع النوب: التمرّسَ والمَرانا
فكنتَ إذا انبرى لكَ عنفوانٌ ........ من الغمراتِ أفظعَ عنفوانا
وكنتَ كِفاءَ معمعةٍ طحونٍ ......... لأنّكَ كنتَ وحدَكَ مَعْمَعانا
أسَلتَ الروحَ في كَلِمٍ مَوات ........ فجلّى غامضٌ منها وبانا
وطاوعَكَ العَصيُّ من المعاني ........ وكم غاوٍ ألحّ به فخانا
فكم من لفظةٍ عَفٍّ حَصانٍ ........ سحَرْتَ بلطفِها العَفَّ الحصانا
وسرُّ الخَلقِ ذهنٌ عبقريٌّ ......... أتى حَجَراً ففجّره بيانا
ويا ذا «الدّولةِ» الكبرى تعالتْ ......... ـ وقد سحَقَ البلى دولاً ـ كيانا
بحَسبِكَ أن تهزّ الكونَ فيها ......... فتستدعي جَنانَكَ واللسانا
وأن تُطري الشجاعةَ في شُجاعٍ ....... فتُعجِبَ ـ حين يُعجبُكَ ـ الجبانا
وأن تعلو بِدانٍ لا يُعَلّى .......... وأن تَهوي بِعالٍ لا يُدانى
فماذا تبتغي؟ أعلوَّ شأنٍ؟! ......... فمن ذا كان أرفعَ منكَ شانا؟!
ولما استيأسوا من مُستَميتٍ ......... فلا أرضاً أراح ولا ظِعانا
ولا أبقى على صَعَداتِ رمحٍ ......... ولا أعفى من الفَرسِ اللَّبانا
أناروا خلف رحْلِكَ عاوياتٍ ......... ضباعاً تستفزُّ الدّيدَبانا
فكنتَ الحتفَ يدركهُم عبيداً .......... وأرباباً إذا استوفى وحانا
تَمَنَّ أبا المحسَّد تَغْلُ فينا ....... مطامحنا وتستشري مُنانا
وضَوِّ لنا، فقد تِهنا ضَياعاً ....... وخِبَّ بنا فقد شلّتْ خطانا
وأدْرِكْنا فقد طالتْ علينا ………. مقاييسٌ قصُرْنَ على سوانا
وقد غُصْنا فلا الأعماقُ منّا ……. ولا نَسَمٌ يهبُّ على ذرانا
وقد شمَخَتْ ملاعبنا علينا …… وقد أكلَتْ أباطحُنا رُبانا
مضَتْ حِقَبٌ وهنّ ـ كما تراها ـ …… فقاقيعٌ، ونحنُ كما ترانا
تمزَّقْنا دُوَيلاتٍ تلاقَتْ ………. بها الراياتُ ضَماً واحتضانا
تُرَقَّعُ رايةٌ منها بأخرى ……… وتستبقي أصائلُها الهجانا
وتكذِبُ حين تصطفقُ اعتناقا …… وتصدقُ حينَ تفترقُ اضطغانا
وتفخرُ أنّها ازدادتْ عِداداً ……. وتعلمُ أنها ازدادتْ هَوانا
حلَفْتُ أبا المحسَّد بالمثنّى …….. من الجبروتِ والغضَبِ المعانى
وبالسُّلَعِ النوافرِ في عُروقٍ ……. كأنّ بكلّ واحدةٍ سنانا
وبالوجهِ الذي صبَغَ الرزايا …… ببسمةِ ساخر، فقسا ولانا
بأنّك مُوقدُ الجمراتِ فينا ......... وإنْ كُسِيَتْ ـ على رغم ـ دخانا
وأنّك سوف تُبعَثُ من جديدٍ ....... تُنفِّضُ ما تلبَّد من كرانا
وأنّا أمةٌ خُلِقَتْ لتبقى ......... وأنتَ دليلُ بُقياها عَيانا